اقتصادنا الوطني.. متحفز للنمو بمعدلات أسرع
ليتحقق النمو الاقتصادي بصورة مستدامة؛ لا بد من توافر عديد من العوامل الأساسية، في مقدمتها السياسات الاقتصادية المبنية على حقيقة الموارد المادية والبشرية المتاحة، مقابل التحديات القائمة ويطلب تجاوزها، إضافة إلى الأخذ بالحسبان المتغيرات الآنية التي يمر بها الاقتصاد محليا وخارجيا، وهو ما يرتبط بالمرونة اللازم أن تتحلى بها تلك السياسات الاقتصادية الكلية، وقدرتها على التكيف والتغير حسبما تعبر عنه تلك المتغيرات.
كل ما تقدم هو بكل تأكيد لا يتجاوز حدود النظرية، التي قد يظن معها المرء مدى سهولة العملية بأكملها، إلا أن الأمر ليس على الإطلاق بالسهولة تلك، بقدر ما أنه من الصعوبة بمكان قد يصل بها إلى حدود إمكانية الفشل التام، ما لم يمتلك القائمون على تنفيذ تلك السياسات والبرامج من الخبرة والدراية الكافيتين قدرا كبيرا جدا منها، وهو المحك الحقيقي لتحقيق المنجزات المأمولة والمستهدفة، وتجاوز التحديات القائمة وصولا إلى مراكز اقتصادية أفضل، تؤهل الجميع وليس الاقتصاد فحسب من النمو المتسارع والمستدام بدرجة أكبر، وتؤهل لامتلاك موارد أكبر ضمن خيارات أوسع مما لو حدث العكس من كل ذلك.
تمكن اقتصادنا الوطني من اجتياز تحديات جسيمة جدا خلال أكثر من نصف عقد زمنى مضى، متسلحا بعد التوكل على الله برؤية إستراتيجية محددة المعالم، قفز معها حجمه الكلي بنحو 71 % من 2.5 تريليون ريال إلى نحو 4.3 تريليون ريال كتقديرات لحجمه بنهاية العام الجاري، مسرعا في مسارات تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، وزيادة إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، بما مكن من خفض الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، ومكن أيضا من توليد نحو 584 ألف فرصة عمل للموارد البشرية المواطنة في القطاع الخاص (بلغت أكثر من 830 ألف فرصة عمل في القطاعين العام والخاص)، ما دفع بدوره إلى خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات من 12.4 % إلى 7.6 % بنهاية الربع الأول من العام الجاري، ومع النمو المطرد للقطاع الخاص ناهز متوسط نموه الحقيقي 3.0 % خلال الفترة، وارتفاع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 47.0 % (يقدر بلوغه نحو 2.0 تريليون بنهاية العام الجاري)، فقد عزز من تدفقات الإيرادات غير النفطية على الميزانية العامة للدولة بثلاثة أضعاف خلال الفترة، لتقفز من 166.3 مليار ريال (27.1 % من إجمالي الإيرادات) إلى نحو 458 مليار ريال بنهاية العام الماضي (38 % من إجمالي الإيرادات)، ووفقا للتطورات المتسارعة الراهنة يتوقع أن تذهب بعيدا إلى مستهدفها الإستراتيجي البالغ 1.0 تريليون ريال بحلول نهاية 2030، الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بمزيد من تعاظم حجم القطاع الخاص، وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 % فأكثر بحلول نهاية تلك الفترة.
عملا كهذا ليتم خلال فترة وجيزة بأعمار الأمم؛ يقتضي تكامل كثير جدا من الجهود والسياسات وتسخير الموارد المادية والبشرية، وهو ما حدث على أرض الواقع، ويزداد الأمر إذهالا متى عاد المرء إلى الوراء قليلا، وتذكر الصدمة العالمية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي بنهاية الربع الأول من 2020، ولم يفق الاقتصاد العالمي بعد منها بالكامل، إضافة إلى دخوله تحت ضغوط السياسات النقدية المتشددة منذ مطلع 2022 ولا زالت قائمة حتى تاريخه، فيتأكد المرء بدرجة أكبر من حجم المنجز التنموي العملاق الذي يقف أمامه اليوم، ويزداد الأمر تألقا -بحمد الله- بمقارنة الوضع الاقتصادي المتين لبلادنا مع أغلبية الاقتصادات حول العالم، وما تواجهه تلك الاقتصادات من تحديات وأزمات جسيمة قد لا تخرج منها سالمة، سيجد أننا جميعا قد نجحنا في البلوغ باقتصادنا الوطني مواقع ريادية ومتميزة، وأن ما بقي من تحديات قائمة حتى تاريخه، سنتمكن بتوفيق الله ثم بتوجيه قيادتنا الرشيدة واهتمامها الدؤوب من تجاوزها، شأنها في ذلك شأن ما سبقها.