أسعار النفط متقلبة وسط حالة من عدم اليقين
على الرغم من أن أسعار النفط أظهرت مرونة كبيرة منتصف الأسبوع الماضي، حيث تعافت من خسائرها المبكرة وأغلقت على ارتفاع يوم الخميس، فإنها أنهت الأسبوع عند أدنى مستوياتها منذ منتصف يونيو. عكست هذه التقلبات الكبيرة التفاعل المعقد بين محركات السوق: التوترات الجيوسياسية، عوامل العرض والطلب، البيانات الاقتصادية وتحركات العملة.
بدأ الأسبوع بمخاوف بشأن النمو الاقتصادي الصيني الذي يؤثر في أسعار النفط. حيث، جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الثاني أقل من التوقعات بـ4.7 %، ما أثار المخاوف بشأن الطلب من أكبر مستورد للنفط في العالم. خصوصا أن الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الصينية لم تشهد أي تعهدات ملموسة.
لقد حدث تطوران في سوق النفط الصيني. الأول، قامت الصين بخفض وارداتها من النفط الخام، حيث بلغ متوسط واردات النفط الخام 11.05 مليون برميل يوميا في النصف الأول من العام، وهو رقم يقل بـ2.9 % عن النصف الأول من العام الماضي، ما يسلط الضوء على ضعف سوق النفط في الصين. الأمر الثاني: قيام الصين بتخزين النفط الخام خلال الجزء الأكبر من هذا العام، ولا يمكن عكس ذلك إلا من خلال التعافي القوي في النمو الاقتصادي.
مع ذلك، شهد منتصف الأسبوع الماضي عوامل صعودية كبيرة، حيث انخفضت مخزونات النفط الخام الأمريكية بمقدار 4.9 مليون برميل، وهو ما يتجاوز بكثير توقعات المحللين بانخفاض قدره 30 ألف برميل. جدير بالذكر أنه في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها، انخفضت مخزونات النفط الخام الأمريكية بأكثر من 20 مليون برميل. يعد سحب المخزون الأكبر من المتوقع أمرا صعوديا لأسعار النفط لأنه يشير إلى تشدد العرض في مواجهة الطلب المتزايد.
إضافة إلى ذلك، أسهمت التوقعات المتزايدة بتخفيضات محتملة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في تعزيز المعنويات الصعودية في أسواق النفط. ويتوقع السوق الآن احتمالا 100 % لخفض سعر الفائدة في وقت مبكر من شهر سبتمبر، الأمر الذي قد يحفز النمو الاقتصادي، وبالتالي الطلب على النفط.
لكن مع نهاية الأسبوع، ظهر عاملان رئيسان أديا إلى انخفاض كبير في الأسعار. الأول، ازداد التفاؤل بشأن وقف إطلاق النار المحتمل في غزة، حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي إلى أن المفاوضات على وشك الانتهاء. وهذا التطور يؤدي إلى تآكل علاوة الأخطار الجيوسياسية التي تدعم أسعار النفط. وفي الوقت نفسه، تعزز الدولار الأمريكي على خلفية البيانات الاقتصادية القوية، ما يجعل النفط المقوم بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة إلى المشترين بالعملات الأخرى ويزيد من الضغط على الأسعار.
وبالنظر إلى الأمام، يواجه سوق النفط عديدا من القوى المتنافسة. ولا تزال إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة هي محور التركيز الرئيس، حيث من المرجح أن يؤدي أي تقدم إلى فرض ضغوط هبوطية على الأسعار. ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة مثل اصطدام ناقلتين بالقرب من سنغافورة هي بمنزلة تذكير بالأخطار الدائمة المتمثلة في انقطاع الإمدادات.
وستظل المؤشرات الاقتصادية بالغة الأهمية، خاصة تلك الواردة من الصين والولايات المتحدة، لأنها تشكل توقعات الطلب العالمي على النفط. ستستمر قوة الدولار الأمريكي في تأدية دور مهم، حيث ترتبط تحركاته بشكل وثيق بتغيرات أسعار النفط.
على السوق أيضا الانتباه إلى الإشارات الصادرة عن مجموعة "أوبك +". على الرغم من أنه من غير المتوقع حدوث تغييرات فورية في سياسة المجموعة، فإن أي تلميحات لتعديلات مستقبلية قد تؤثر في معنويات السوق. نظرا إلى هذا المزيج من العوامل المتضادة، فإن سوق النفط مهيأة لمواصلة التقلبات الكبيرة في الأسابيع المقبلة. على الرغم من أن الاتجاه الحالي يميل إلى الهبوط، فإن التطورات الجيوسياسية غير المتوقعة أو صدمات العرض يمكن أن تؤدي إلى تغيير الاتجاه بسرعة.