أسواق النفط بين مخاوف الطلب والأخطار الجيوسياسية


شهدت العقود الآجلة للنفط الخام تقلبات ملحوظة خلال الأسبوع الماضي، حيث ارتفعت الأسعار منتصف الأسبوع بسبب تفاقم المخاوف من توسع الصراع في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا. ما دفع أسعار برنت وغرب تكساس الوسيط إلى الارتفاع بأكثر من دولارين للبرميل.

ما دعم هذا الاتجاه الصعودي، الأخطار المحتملة من تأثر الملاحة في مضيق هرمز، وهو ممر مائي حيوي لنقل النفط العالمي. مثل هذه الخطوة قد تهدد نحو 15 – 20 % من إمدادات النفط العالمية، مع محدودية خطوط الأنابيب البديلة. وتلقت الأسعار أيضا دعما من انخفاض مخزونات النفط الخام الأمريكية بمقدار 3.4 مليون برميل، وفقا لإدارة معلومات الطاقة. ويشير هذا الانخفاض المدفوع بالطلب القوي على الصادرات، إلى تشدد السوق في أكبر مستهلك للنفط في العالم.

لكن، البيانات الضعيفة لقطاع التصنيع الأمريكي والمخاوف بشأن سياسات أسعار الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أثرت في معنويات السوق. حيث، أظهر تقرير الوظائف غير الزراعية الأمريكية تباطؤا في توفير فرص العمل، ما يشير إلى ضعف سوق العمل، هذا بدوره يؤثر في قرارات أسعار الفائدة المستقبلية. بالفعل، ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 %، وهو أعلى بكثير من توقعات 4.1 %، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، بانخفاض عن 179 ألف وظيفة في يونيو. هذا هو أعلى معدل بطالة في الولايات المتحدة منذ أواخر 2021.

ما دعم المشاعر الهبوطية، البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال من الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، إلى جانب ضعف نشاط التصنيع في جميع أنحاء آسيا، أوروبا والولايات المتحدة، ما يثير المخاوف بشأن التعافي الاقتصادي العالمي الفاتر. ويشكل هذا السيناريو تهديدا لاستهلاك النفط. وتفاقمت هذه المخاوف مع انخفاض الواردات ونشاط التكرير في الصين مقارنة بالعام السابق. ففي يوليو، بلغت واردات آسيا من النفط الخام أدنى مستوى لها في عامين بسبب ضعف الطلب في الصين والهند، حيث انخفضت واردات الصين وحدها بنسبة 2.1 % حتى الآن مقارنة بعام 2023.

وتأتي مخاوف الطلب هذه مع عودة المخاوف من زيادة المعروض من خارج أوبك إلى دائرة الضوء. حيث، من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأمريكي هذا العام بمقدار 500 ألف برميل يوميا. وهو انخفاض كبير عن المليون برميل يوميا التي شهدناها العام الماضي، لكنه لا يزال يمثل نحو 60 % من نمو إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك، حسب تقديرات جولدمان ساكس.

ونتيجة لذلك، تراجعت أسعار النفط بشكل حاد بحلول نهاية الأسبوع، مستسلمة لخسائر للأسبوع الرابع على التوالي، حيث استقر خام غرب تكساس الوسيط عند 73.52 وخام برنت عند 76.81 دولار للبرميل.

من ناحية أخرى، حافظت "أوبك+" على سياستها الإنتاجية، بما في ذلك خطط البدء في تخفيف بعض تخفيضات الإنتاج الطوعية ابتداء من أكتوبر. ويحافظ هذا القرار على استقرار مستويات العرض. وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كانت الاضطرابات الفعلية في العرض ضئيلة، ما أبقى الأسعار غير متأثرة نسبيا. ومع ذلك، تظل السوق متيقظة بشأن الاضطرابات المحتملة، خاصة في ممرات شحن النفط الحيوية.

في ظل تباين المؤشرات الاقتصادية، ضعف الطلب العالمي، وإمكانية استقرار العرض، تبدو التوقعات قصيرة الأجل لأسعار النفط هبوطية. ومن المرجح أن تمارس مخاوف الطلب من الصين والأسواق الآسيوية الأخرى، وإمكانية حدوث مزيد من التباطؤ الاقتصادي ضغوطا إضافية على أسعار النفط. لكن الصراع في الشرق الأوسط يظل عامل عدم يقين كبير يمكن أن يقلب الأمور رأسا على عقب بسرعة.

في الوقت الحالي، تواصل السوق محاولة موازنة مخاطر العرض مع المشاعر الهبوطية التي تحركها مخاوف الطلب. ما لم تشهد السوق تغيرات كبيرة في البيانات الاقتصادية أو أحداثا مفاجئة، فمن المتوقع أن تستمر الضغوط الهبوطية على الأسعار. لكن في عالم أسواق النفط الذي لا يمكن التنبؤ به، من الحكمة دائما أن نتوقع ما هو غير متوقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي