الاستثمار الصيني في إفريقيا .. الكل رابح
حافظت الصين طيلة 15 عاما متوالية، على الصدارة في قائمة الشركاء التجاريين لإفريقيا، بتحقيقها عام 2022 نحو 263 مليار دولار. وحققت برسم العام الماضي ما قيمته 281.1 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها % 1.5، ونحو 11 % مقارنة بعام 2021.
ظل النمو المطرد مستمرا، خلال الأشهر السبعة من يناير حتى يوليو من العام الجاري، حيث تتحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للجمارك، عن تسجيل 1.19 تريليون يوان؛ أي: نحو 167 مليار دولار، ما يعني ارتفاعا بواقع %5.5 على أساس سنوي.
بذلك تصبح الصين البعيدة جغرافيا الدولة الأكثر تأثيرا في إفريقيا، متفوقة على كثير من الدول والكيانات القريبة جدا من القارة. فكيف استطاعت بكين التفوق على واشنطن وبروكسيل ولندن؟
تضمن تصريح مساعد وزير التجارة الصيني تانغ ون هونغ أخيرا، ما يساعد على تفسير الأمر، فـ"التعاون الاستثماري والتجاري بين الصين وإفريقيا مدفوع ببرامج تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار والحد من الفقر والتنمية الزراعية".
تجاوزت الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا وفق ذات المتحدث 40 مليار دولار بنهاية العام الماضي. وبلغت قيمة المشروعات التعاقدية للشركات الصينية، خلال العقد الماضي، 700 مليار دولار. بذلك تكون الصين واحدة من أكبر مصادر الاستثمارات الأجنبية في القارة.
تفيد دراسة لمؤسسة ماكينزي الأمريكية عن وجود أزيد من 1000 شركة صينية نشيطة في افريقيا، وترفع مصادر أخرى العدد إلى 2500 شركة، %90 مملوكة للقطاع الخاص. وتتوقع ذات الدراسة أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من إفريقيا، بحلول عام 2025، إلى 440 مليار دولار.
يبقى المثير في الاستثمار الصيني هو انحيازه إلى المزج ما بين المشروعات الضخمة والعملاقة في القطاعات الاستراتيجية، مثل البنية التحتية والصناعات التحويلية والطاقة والخدمات، والمشروعات الصغيرة المهمة في دفع عجلة التنمية الاجتماعية المحلية، من بناء للمستشفيات والمدارس وتشييد للجسور والملاعب في المناطق النائية، ما يسهم في تحسين ظروف عيش الإنسان الإفريقي.
إجابة المسؤول الصيني الممعنة في الدبلوماسية تكشفها مؤشرات وأرقام الاقتصاد، فاستمرارية الحيوية الصينية في إفريقيا عائد بالدرجة الأولى لكون اقتصاد الصين وإفريقيا متكاملين إلى حد كبير.
ترى بكين في القارة شريكا استراتيجيا لتأمين إمدادات الطاقة طويلة الأجل والمواد الأولية لدعم عملية التصنيع. كما أنها، خاصة موطن 60 % من المعادن الحرجة والنادرة التي تعد أساس الصناعة الحديثة.
لم تعلن حاجتها بقدر ما قدمت نفسها منقذا لإفريقيا، لا سميا بعد إطلاقها مبادرة طريق الحرير عام 2013، فاستثمرت في كل شيء بالقارة، كأنها تحسن إلى الأفارقة، وهي تدرك أنها الرابح الأكبر من خلال تجربها مع نفط السودان، باستثمارات الضخمة في شركة النيل الأعظم النفطية بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 1995.
وقبلها مع نحاس زامبيا الذي يصلها عبر شبكة سكة حديد بطول 1860 كيلومترا، بين دار السلام وكابيري مبوشي، أقامتها قبل نصف قرن.
إلى جانب مبادئ اقتصادية مثل "رابح رابح"، عززت حضورها ببهارات سياسية لتيسير ولوجها الأقطار الإفريقية، فتارة تقدم نفسها متحدثة باسم "الجنوب العالمي". وتارة أخرى، تعلن أن تعاملها مع إفريقيا مقيد بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي للحزب الشيوعي الخمسة، لا سيما عدم المساواة والمنافع المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
يعتمد الاستثمار الصيني البوابة الاقتصادية والمالية بعيدا عن السياسة، لكنه على ما يبدو أفرط في استخدام العضلات المالية، ما أدى إلى إغراق القارة في دوامة الديون، فتركيز الاستثمارات على ثنائية "البنية التحتية" و"التعدين"، بحسب الباحث الاقتصادي تيم زاجونتز، أسقط كثيرا من الدول في "فخ الديون".
وجدت دول نفسها وجها لوجهة مع الديون، لم تخلصها سوى مبادرة تعليق سداد أقساط الديون التي أطلقتها مجموعة العشرين، وجرى الاتفاق فيها مع بنك التصدير والاستيراد الصيني، شملت 31 دولة في إفريقيا، وبلغت قيمة نحو 8 مليارات دولار، كلها نتيجة استقبال استثمارات صينية في القارة الإفريقية.
مأزق الديون المؤرق لكثير من الأفارقة يتوقع أن يتصدر أجندة الدورة الرابعة لقمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي "فوكاك" في العاصمة بكين، في 4 حتى 6 سبتمبر الجاري، خصوصا أن القمة ترفع شعار "التكاتف لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني-إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك".