مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم

مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم
مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم
مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم
مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم
مقلع طمية .. منجم معادن نادرة وأسطورة جيولوجية سعودية يغازلها سياح العالم

على طريق (الحجاز - الرياض) وتحديدا بعد 175 كم شمال الطائف، طلب المرشد السياحي سمير قمصاني من سائق الحافلة أن يتوقف جانبا، وأمام حفرة يصل عمقها إلى 380 مترا، تجمّع حوله فوج متعدد الجنسيات، الإنجليزي الحافظ لقصة روميو وجولييت، الإيطالي المؤمن بحب أنطوني وكيلوباترا، واليونانية العاشقة لمأثورة كيوبيد وجايسون، رغم ذلك، فإن أسطورة "مقلع طمية" كانت أغرب ما سمعوه من أساطير العشق، أسطورة بدأت بحب جبلين وانتهت بـ"فوهة" تجسد النهاية الحزينة، لتصبح مضربا لقصص العشاق بالسعودية ودول الخليج.

بحسب الأسطورة السعودية، تدور الحكاية حول جبلين أحدهما أنثى تدعى "طمية" وتقع في حرة كشب، والآخر ذكر يدعى "قطن" ويقع بين القصيم والمدينة المنورة، وفي ليلة ممطرة، رأت "طمية" على ضوء البرق "قطن" الناصع البياض، ففتنت به وقررت الرحيل إليه، وخلال المسيرة بحسب القصة، رآها جبل آخر يلقب بـ"عكاش" وكان يعشقها، فرماها برمح وأصابها لتسقط قبل وصولها إلى الجبل "قطن" وتحدث تلك الحفرة العميقة، التي تعد ثاني أوسع فوهة بعد فوهة "هرمة" شرق المدينة المنورة، وبمرور السنوات تحول مكان الحدث الذي سمي بـ"مقلع طمية" إلى مزار سياحي يأتيه الأجانب من مختلف أنحاء العالم لمعرفة كيف يعشق الجبال.

نُدرة "مقلع طمية" لا يقتصر على قصته الأسطورية فقط، بل طبيعته الجغرافية الفريدة أيضا، فقاع الفوهة نفسه عبارة عن أرض بيضاء مالحة، تكوّنت نتيجة تجمّع مياه الأمطار المحتوية على الأملاح وتبخرها، وبمرور السنين تكونت طبقات ملحية أعطت للقاع لون أبيض مميز، أما في الجهة الشمالية الشرقية من الفوهة العملاقة، وبعمق 50 مترًا تنمو أشجار النخيل والأراك وغيرها من النباتات والحشائش مستفيدة من وفرة مياه الينابيع والتربة الخصبة الموجودة حول الأرض الجبلية الوعرة، وعلى الناحية الأخرى، أي الجهة الغربية تتوزع الحشائش بلونها الأخضر وسط الصحراء.

أطلقت السعودية في نوفمبر 2016 مشروع تطوير "مقلع طمية" بقصد تحويله إلى مركز سياحي عالمي، يجسّد التنوع البيئي والجيولوجي للأرض السعودية، وتولت الهيئة العامة للسياحة مهمة الإشراف على هذا المشروع الذي نفذته شركة الطائف للاستثمار، فجددت المعلم الأثري بصالة عرض رقمية يعرض من خلالها أبرز المعلومات عن تاريخ المكان وقصته، بجانب مظلات على جانبي الموقع وممرات مزودة بوسائل ترفيهية للزوار، وذلك من أجل مضاعفة أعداد السائحين، ضمن توجهات السعودية لتعظيم دور القطاع الخاص وفي مقدمتهم القطاع السياحي الذي يعمل وفق إستراتيجية تستهدف الوصول إلى 150 مليون زائر و 200 مليار دولار إيرادات في 2030.

بجانب هذا التطوير، منحت السعودية الفرصة لأن يتحول "مقلع طمية" إلى قبلة للباحثين في علوم الأرض والجيولوجيا، فعلى مدار السنوات الماضية، نظمت جامعة الطائف زيارات ميدانية للموقع الأثري لدراسته واستكشافه علميا، وتوصلت من خلال دراسة نشرتها عام 2015، إلى وجود معادن ثمينة نادرة في تلك البقعة، مثل معدن الأوليفين الغني بالمغينسيوم والحديد، ومعدن الزيوليت الغني بالألمنيوم، وهو ما يشكل إضافة جديدة لقطاع التعدين الذي أحرز أسرع نمو عالمي في تطور بيئته التنظيمية الجاذبة للاستثمار في الخمس سنوات الماضية بحسب تقرير صادر من مايننغ جورنال المختص بقطاع المعادن عالميا، فيما بلغت الإيرادات 4.9 مليار ريال في 2021.

وآخر ما جعل اسم السعودية يتصدر العناوين من بينها راهنا بحسب مجلة "فوغ" العربية، هي فوهة الوعبة، والسبب أنها اختيرت لتكون من بين أفضل 100 موقع للتراث الجيولوجي في العالم لـ 2024. وقد كشف المتحدث الرسمي لهيئة المساحة الجيولوجيّة، طارق أبا الخيل، أن هذا الاختيار جاء بعد تقييم أعضاء لجنة مؤلفة من 89 خبيرا عالميا من قبل الاتحاد الدوليّ للعلوم الجيولوجية "آي يو جي إس" بجانب منظمة اليونيسكو، مشيرا إلى أنها كانت من بين ترشيحات قدّمتها 64 دولة.

هذه الأسرار البيئية والتعدينية، أو السياحية الأسطورية، هي ما دفعت مجلة أرضنا العلمية التي تصدر عن هيئة المساحة الجيولوجية، إلى التركيز على "مقلع طمية" في إصدارها الأخير الذي يحمل رقم 27، لتسلط الضوء على ما يحتويه هذا الكنز الأثري من معادن ومميزات فريدة يهتم بها الباحثين بعلوم الأرض، وبينما كتب خالد بن ناصر، نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، تدوينة جاء نصها "أرضنا الطيبة المباركة جمال وثراء أصالة وامتداد في التاريخ والطبيعة"، كان متابعيه يتذكرون أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل في قصيدته التي صارت مرثية للعشاق، وقد قال فيها "انتزع قلبي مثل نزعة طمية .. يوم هز العشق راسية الجبال".

الأكثر قراءة