سؤال عن طريق الصدفة يغير مشهد تجارة وصناعة الزهور العالمية
قبل قرنين من الزمان، بدأ في هولندا أول مزاد للزهور في العالم بطريق الصدفة، عندما التفت أحد التجار إلى أقرانه وسألهم: "ما سعر تلك الكمية من الزهور؟" سؤال بسيط، لكنه كان كفيلا ببدء تجارة دولية جديدة احتلت فيها هولندا مركز الصدارة.
لا يحرك حب الزهور المشاعر والأحاسيس فقط، بل يحرك أيضا صناعة عالمية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات الأمريكية.
ومنذ القرن الثامن عشر تقريبا، تسيطر هولندا على هذه التجارة، لكن المشهد يتغير، وتزداد أهمية البلدان الواقعة على خط الاستواء يوما بعد آخر في مجال زراعة الزهور وتصديرها.
بالقرب من العاصمة الهولندية أمستردام، تقع دار المزادات الملكية فلورا هولندا، حيث يتم شراء وبيع الزهور وتحديد أسعارها على المستوى الدولي.
لعقود، لعبت شركة رويال فلورا هولندا دورا حاسما في استيراد وإعادة تصدير 40 % من الزهور في جميع أنحاء العالم.
لكن الوضع يتغير الآن، حيث بات للاعبين الجدد في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وجود محسوس يغير ديناميكيات الإنتاج، والآن يتحد المنتجون الجدد لزعزعة قبضة هولندا التاريخية على الصناعة.
لـ"الاقتصادية" يقول أم . دي . جيرمي من جمعية بائعي الزهور البريطانية: "أحد الأسباب وراء زيادة صادرات الزهور في إفريقيا يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما أدت أزمة النفط إلى زيادة تكلفة تدفئة البيوت الزجاجية في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية. ونتيجة لذلك، انتقل الإنتاج إلى الجنوب حيث المناخ دافئ بطبعه، وزاد تصدير بعض بلدان الشرق الأوسط أولا ثم شرق إفريقيا لاحقًا، بينما طوّر الأمريكيون تجارة الزهور مع أمريكا اللاتينية".
يوافق البعض على هذا التفسير التاريخي لنهوض صناعة الزهور في الجنوب، لكنه يرى أن القيمة السوقية لسوق الزهور العالمي هي المفسر الواقعي لطبيعة المنافسة المحتدمة بين البلدان الإفريقية وهولندا.
إليسا فيليب نائب الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية لاستيراد وتصدير الزهور، تعلق لـ"الاقتصادية" على وضع الصناعة بالقول: "حجم السوق العالمية لتجارة الزهور كبير ومتنام. في 2015 بلغت القيمة الإجمالية لتجارة الزهور الدولية قرابة 9 مليارات دولار، وفي العام الماضي تجاوزت 54 مليار دولار، وسط توقعات بنمو 5.7 % سنويا ليصل حجم السوق بعد 5 سنوات من الآن إلى 72.5 مليار دولار".
وتضيف "هناك إمكانية لتوسع البلدان الإفريقية حصتها في السوق يتبني ممارسات أكثر استدامة، لكن أوروبا أصبحت أكثر وعيا بالبصمة الكربونية المرتبطة بواردات الزهور لمسافات طويلة. وهذا يشكل تحديًا للمزارعين الأفارقة، لكنه يمثل أيضًا فرصة للابتكار في التعبئة والتغليف والممارسات الزراعية الصديقة للبيئة".
لا تزال هولندا لاعبا مهيمنا في تجارة الزهور العالمية، وتسهم بأكثر من 40 % من إجمالي صادرات الزهور العالمية. وقد مكنتها التكنولوجيا المتطورة وتقنيات البيوت الزجاجية المتقدمة من الحفاظ على مكانتها كعاصمة الزهور في العالم، لكن كولومبيا والإكوادور وكينيا يبرزون كمصدرين رئيسين ايضا.
لـ"الاقتصادية" يقول تاجر الزهور البريطاني داني جوف: "في بريطانيا، 90 % من الزهور مستوردة وأغلبها من هولندا، لكن هناك طلب متزايد على الورد والقرنفل من الإكوادور وكولومبيا، حيث يوردون للأسواق الأمريكية والأوروبية".
ويضيف "العام الماضي، بلغت صادرات كولومبيا من الزهور، وأغلبها من الورد، 1.5 مليار دولار. كينيا أيضًا، وبفضل مناخها الملائم وانخفاض تكاليف الإنتاج، تتزايد صادراتها حيث بلغت العام الماضي ما يزيد على مليار دولار، وتعد ثاني أكبر صادرات بعد الشاي ويعمل في زراعة وتجارة الزهور أكثر من 100 ألف عامل بشكل مباشر ونحو مليوني شخص بشكل غير مباشر".
ويستدرك قائلا: "الصين والهند أسواق سريعة النمو، لكن الجزء الأكبر من الإنتاج يُستهلك محليًا بسبب الممارسات الثقافية والدينية التي تستخدم كميات كبيرة من الزهور بأنواع مختلفة، وكذلك نمو الطبقة المتوسطة وزيادة إنفاقها على الزهور".
يعتقد الخبراء أن تجارة الزهور ستجذب مزيدا من الاستثمارات في السنوات المقبلة. تقول لـ"الاقتصادية"، نينا بومينت الباحثة في مجال الزراعة المستدامة "صناعة الزهور ستنمو بشكل مطرد، مدفوعة بالطلب المتزايد من المستهلكين، والتحول الرقمي، والتركيز على الاستدامة. وستشكل الاستثمارات في التكنولوجيا والاستدامة ومنصات التجارة الإلكترونية مستقبل الصناعة".
وتضيف: "صناعة الزهور تتطور من قطاع زراعي تقليدي إلى صناعة متطورة تعتمد على التكنولوجيا، وسيكون الفائزون أولئك الذين يمكنهم التكيف مع التقنيات الجديدة وتلبية الطلب على منتجات عالية الجودة".