لاري بيج .. مؤسس جوجل والملياردير الذي يمتلك أسرار العالم
سمعت الأم بكاء طفلها أثناء تحضير وجبة الغداء وحين سألته عن السبب أخبرها بأنه يريد شراء كرة قدم، ولكن أبيه الذي عرف بالأمر على طاولة الطعام رفض ومنحه طقم طبول صغير ليتعلم الموسيقى.
بينما في اليوم التالي اشترى له حاسوبا مخصصا للأطفال ليتعرف على لغة العصر رغم أن لاري ظل أياما يبكي قبل استخدام حاسوبه بيد أنه سُرعان ما وقع في التقنية الجديدة بسبب ما أتاح له من ألعاب للأطفال ولم يكن يعلم أن تلك هي البداية لمسيرته التقنية الذي ستجعله أحد رواد الأعمال في العالم وصاحب ثروة تزيد على 156 مليار دولار.
وٌلد لورانس إدوارد بيج في 26 مارس 1973 بحي إيست لانسنغ بولاية ميشيغان الأمريكية ومنذ اللحظة الأولى تحددت ملامح طفولته، فأبيه دكتور فيكتور بيج أستاذ علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي بجامعة ميشغيان وأحد الاوائل الذين حصلوا على درجة الدكتوراة في فلسفة علوم الحاسوب، ووالدته بلوريا بيج الحاصلة على الماجستير في الحوسبة تعمل مدرسة علوم حاسب بالجامعة نفسها، وبالتالي لم يكن أمام الطفل وسائل ترفيه كثيرة ولاحقًا وصف تلك المرحلة قائلًا: "ليس هناك أسوأ من قضاء أيامك الأولى بين فوضى الحواسيب والمجلات العلمية".
مقابل أن يسمح له أبيه بلعب كرة القدم وافق لاري على الاجتهاد في المدرسة التي نبغ فيها، خاصة في علوم الحاسب التي كان مستواه فيها أكبر من أقرانه نظرًا لأسرته الأكاديمية وبمجرد أن وصل إلى المرحلة الثانوية بدأ يستعد لأن يُصبح عالم مثل أبيه، فالتحق في 1992 بجامعة ميتشغان لدراسة الحاسوب وتخرّج بامتياز، فاتجه إلى جامعة ستانفورد للحصول على درجة الماجستير وجاء اختياره لتلك الجامعة نظرًا لتاريخها في تخريج روّاد الأعمال وفيها أيضًا استعد لدرجة الدكتوراه.
في الجامعة تعرّف لاري على سرجي برين وسيطر على الصديقان شغف فك شِفرات الإنترنت الذي انتشر آنذاك، كما بحث الاثنان عن طريقة لربط صفحات الإنترنت ببعضها إذ كانت حتى ذلك الوقت مجرد صفحات منفصلة وصاغا ورقة بحثية بعد أن وصلا إلى طريقة لتحقيق ذلك.
والأهم أن سرجي ولاري أدركا أن أهم سلعة في العالم هي المعلومة ولو تمكنا من توفيرها بطرق بسيطة سيحدثان طفرة معلوماتية وبطريقة أخرى قال "بيج" في مقابلة مع قناة فوكس نيوز 2004: "تخيلت جمع كتب مكتبات العالم في مكان واحد سهل الوصول إليه من قِبل الجميع".
في حجرة في جامعة ستانفورد عمل لاري بيج وسرجي على تحويل ورقتهم البحثية إلى مشروع فقاما بتحميل كثير من صفحات الكتب الموجودة بالفعل وعملا على ربطهما ببعضهما بعضا وأطلقا على موقعهم الجديد اسم "جوجل" ويعني باللغة الرياضية رقم واحد وبجواره مائة صفر، وفي 1998 ظهر محرك البحث لأول مرة بشكل محدود ولم يكن الصديقان حتى ذلك الوقت يعرفان ماذا يفعلان لاحقًا.
لكن السوق التكنولوجية لم تنتظر حيرتهما فسرعان ما انهالت العروض عليهما من شركات كبيرة لشراء هذا المحرك وأدرك لاري وسرجي أن في يديهما شيء ثمين، فعملا على تجميع أموالهما والاقتراض من العائلة والأصدقاء ومشاركة بعض المستثمرين الصِغار حتى تمكنا من جمع مليون دولار، مكّنهما من استئجار مرآب إحدى البيوت في وادي السيلكون عام 2000 وتسجيل شركتهم بشكل قانوني ومن البداية تولى لاري منصب المدير التنفيذي وحدد سياسته التي تلخصت في محاربة سُلطة المديرين والبيروقراطية وتحفيز المناقشة ومنح المهندسين قوة اتخاذ القرار بجانب منح رواتب جيدة للعاملين.
سياسة لاري المتسامحة دفعت منافسيه لاتهامه بضعف الشخصية لكن أثبتت السنوات الثلاث الأولى عكس ذلك، ففي 2001 أصبح جوجل أبرز محرك بحث عالمي بتوفير خدمات بأكثر من 26 لغة وبعدها بعام تم تكريم "بيج" ضمن أفضل 100 مبتكر في العالم كما طرح أسهم شركة جوجل لأول في البورصة الأمريكية في 2004 ليدخل نادي المليارديرات مع صديقه سرجي.
في العام نفسه 2004 أعاد "بيج" تشكيل شركته تحت اسم "ألفا بيت" التي وصلت قيمتها السوقية في إبريل الماضي إلى أكثر من تريليوني دولار، كما توسّعت الشركة في الخدمات فقدمت خدمة البريد الإلكتروني "جي ميل" وأدرجت نظام التشغيل "أندرويد" بجانب الصفقة الأهم وهي شراء موقع يوتيوب في 2006 مقابل 1.65 مليار دولار.
"لا أدخل مشروعا إلا إذا اقتعنت أن البشر يستخدمونه مرتين يوميًا على الأقل بجانب تقديم جودة أفضل 10 مرات من المنافسين" كانت تلك قاعدة "بيج" التي منحته ثروة بلغت 16 مليار دولار في 2007 وأن يصل أداء محركه "جوجل" إلى تسجيل 5 ملايين عملية بحث يومية في 2013.
وبعدها بـ6 أعوام وبعد أن أصبح ضمن أغنى 10 رجال في العالم قرر ترك منصب المدير التنفيذي لـ"ألفا بيت" وانسحب من مهامة الكثيرة مكتفيًا باستثمارات في مجالات أخرى مثل التكنولوجيا إذ يموّل "لاري" شركات ناشئة في مجال الطيران الكهربائي وأخرى في مجال الذكاء الاصطناعي بجانب أنه متبرع جيّد في مجال الحفاظ على البيئة.
هذا الانسحاب سببه رغبة "بيج" في الاستمتاع بحياته الخاصة مع زوجته اليونانية لوسيندا سوثوورث الحاصلة على الدكتوراة في الطب الحيوي والتي تزوجها لاري في 2007 وأنجب منها ابنه كارل وابنته جلوريا، وتتمتع الأسرة خلال السنوات الأخيرة بالسياحة حول العالم بواسطة أحد يخوت لاري الفخمة، إضافة إلى زيارة متاحف الفنون والموسيقى متحررين من أي قيود بل لا يعرف كثيرًا من الناس العادية أن من مر بجانبهم هو مؤسس جوجل كما لم يتوقع أحد أن الطفل الذي عانى مرضا يجعله يفقد الكلام تدريجيًا إذا أطال الحديث سيصبح ذات يوم "أمين مكتبة العالم".