سر نجاح الشراكة بين القطاعين العام والخاص
ما الذي يمكن أن تنجزه البلدان النامية في بنيتها التحتية إذا حصلت على مبلغ إضافي قدره 500 مليون دولار سنوياً؟ إن هذا المبلغ من المال يمكن استخدامه في تمويل نحو 83 كيلومتراً من خدمة النقل السريع بالحافلات، ما يؤدي إلى تخفيف الازدحام وتحسين مستوى النقل العام. ويمكن استخدامه في 570 ميجاواط من الطاقة الشمسية المركبة، ما يضاعف قدرات التوليد في بعض أكبر محطات الطاقة الشمسية في إفريقيا. أو يمكن استخدامه في تمويل إضافة 500 كيلومتر من الطرق المكونة من 4 مسارات، ما يعزز شبكة الطرق ويدفع عجلة النمو الاقتصادي.
ولك أن تتخيل احتمالات النتائج التي يتيحها استثمار هذا المبلغ للبلدان النامية: أساطيل من الحافلات الكهربائية، وانتشار واسع النطاق لمزارع الطاقة الشمسية، وشبكة طرق سريعة ومترابطة، وغير ذلك من المشاريع العملاقة البارزة التي تحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس من خلال ربطهم بالوظائف والخدمات.
فيجب على الحكومات أيضا إرساء ممارسات للنجاح في تنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهي وسيلة مهمة لتمويل مشاريع البنية التحتية وإنجازها. وتشير الشواهد المستقاة من تقريرنا إلى أن هذه الإصلاحات التنظيمية "غير المرئية" لا تقل أهمية عن الرافعات والجرافات التي تبني جسورنا وطرقنا. ويظهر التقرير أن البلدان التي عززت أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص بين عامي 1990 و2022 شهدت زيادة قدرها 488 مليون دولار في المتوسط في استثمارات البنية التحتية سنويا.
ولا شك أن الإصلاحات التنظيمية لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً من العمل المطلوب. وأن كل بلد يتخذ مساراً يختلف عن الآخرين. مسار كل بلد فريد من نوعه، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع.
وعلى الرغم هذا التنوع، فإن مزيد من البلدان تتبنى قوانين خاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. ابتداء من يونيو عام 2023، توافر لدى 109 اقتصادات من أصل 140 اقتصاداً (تمثل 78 %) في تقرير إطار تنظيمي خاص بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما قام 79 اقتصاداً (تمثل 56 %) بسن قوانين تتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومن 2019 إلى 2022، أدخلت سبعة اقتصادات -أرمينيا وجمهورية الدومينيكان وغانا والجبل الأسود وقطر السعودية والسودا - أول قوانينها بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وأجرت 60 دولة تغييرات على لوائحها التنظيمية في هذه الفترة.
وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، لا تزال هناك فجوات كبيرة، لا سيما في إعداد المشروعات - وهو مجال حيوي لا يزال بحاجة إلى تحسين. فعلى سبيل المثال، تحتاج 5 % فقط من الاقتصادات التي شملتها الدراسة إلى جس نبض الأسواق فيما يتعلق بالتكنولوجيا والابتكارات، ويعمل ثلثها فقط على توحيد وثائق معاملات الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو نشر التقييمات عبر الإنترنت. ولم تشهد هذه المجالات إحراز أي تقدم منذ 2019.
وتشكل هذه الفجوات أحد الأسباب الحيوية التي تقف وراء تعاون البنك الدولي مع البلدان المتعاملة معه بشأن تطبيق أفضل الممارسات في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطوير البنية التحتية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يستضيف قطاع البنية التحتية في البنك الدولي 3 شراكات تمولها الجهات المانحة على النحو التالي: يقوم برنامج التسهيلات الاستشارية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية بتدعيم السياسات واللوائح التنظيمية والمؤسسات التي تمكن القطاع الخاص من المشاركة في مشروعات البنية التحتية؛ ويساعد الصندوق العالمي للبنية التحتية البلدان المتعاملة معه على إعداد مشروعات مستدامة وعالية الجودة للبنية التحتية؛ وتقدم الشراكة المعنية بالاستثمار في البنية التحتية الجيدة المساندة لدمج مبادئ الجودة وتكاملها لبناء الأساس اللازم لتأسيس بنية تحتية مستدامة وشاملة للجميع وقادرة على الصمود. وتساعد هذه الشراكات الثلاثة مجتمعة البلدانَ على إجراء تغييرات فعالة في كل مرحلة من مراحل مشروع البنية التحتية، الأمر الذي يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.