هل نجح صانع السوق في السعودية؟

منذ الإعلان عن السماح بمزاولة نشاط صناعة السوق قبل نحو عامين لا يزال عمل صناع السوق في الأسهم المدرجة ضعيفا جداً وربما غير مؤثر كما هو مأمول ومتوقع، والملاحظ أن عدد الجهات التي تقدمت بطلب الدخول إلى المجال قليلة جداً، حالياً توجد 4 مؤسسات مالية فقط، كذلك جميع هؤلاء الصنّاع يعملون في أسهم الشركات الكبيرة التي في حقيقة الأمر ليست بحاجة ماسة إلى تدخل صنّاع السوق، بعكس الوضع في أسهم الشركات الصغيرة، فما سبب عدم نجاح صناعة السوق، حتى الآن على الأقل؟
غني عن القول أن الهدف من وجود صانع السوق مد الحركة اليومية للتداول بالسيولة اللازمة بحيث يتقلص الفارق بين العرض والطلب، ويتمكن المتداولون من البيع والشراء دون إحداث تغير كبير في سعر السهم، ما يعني أن هدف صانع السوق ليس منع السهم من الارتفاع أو الانخفاض، ولا منع تصحيح الأسعار ولا إيقاف انهيارها. ومن أجل ذلك تقوم السوق المالية بوضع ضوابط لعمل صانع السوق تتطلب القيام بممارسات معينة ومكلفة مالياً على صانع السوق، لكن ذلك يأتي مقابل حوافز يحصل عليها لتعويضه عن أي خسائر قد يتلقاها. وهذه الحوافز تعتمد على سيولة السهم، حيث تم تصنيف كل سهم في واحدة من 5 مجموعات، تتدرج من سيولة عالية جداً إلى سيولة منخفضة جداً، بحيث يحصل صانع السوق حالياً على خفض بنسبة 10% إذا كانت سيولة السهم الذي يديره عالية جداً، وترتفع نسبة الخفض إلى 100% إذا كان على صانع السوق توفير السيولة لسهم ضعيف الحركة. لذا فالحوافز مرتبطة بحجم المخاطرة على صانع السوق، وهذا سبب اتجاه صنّاع السوق نحو الأسهم ذات الحركة اليومية العالية كأسهم أرامكو والراجحي والأهلي وسابك، بينما لا نجدهم في الأسهم التي بالفعل تحتاج إلى خدماتهم.
الحقيقة أن صنّاع السوق مطلوبون في عدد كبير من الأسهم التي لا تتجاوز تداولاتها اليومية مليون سهم في اليوم، بعضها بفوارق كبيرة بين سعري العرض والطلب، وهم مطلوبون في تداول العقود المستقبلية التي يوجد حالياً فيها صانع سوق وحيد، ومطلوبون في عقود الخيارات التي لا يوجد فيها صنّاع سوق نهائياً. ولكي نكون منصفين فالطريقة المتبعة في السعودية تشترط موافقة الشركة على قيام صانع السوق بمزاولة عمله في أسهمها، بينما في الولايات المتحدة، أكبر معاقل صناعة السوق في العالم، لا يحتاج صانع السوق المرخص إلى موافقة الشركة، وهذا من الممكن القيام به في السعودية، فصانع السوق يأخذ رخصته من هيئة السوق المالية، كما أن تداول أسهم أي شركة ليس له علاقة بالشركة نفسها، بل إني أذهب أبعد من ذلك وأزعم أنه من الخطأ عمل أي نوع من الاتفاق بين الشركة وصانع السوق، تجنباً للوقوع في أي شبهة تضارب مصالح!
صانع السوق يحاول قدر الإمكان تجنب المخاطرة، فهو ليس مضاربا ولا مستثمرا، ومع ذلك فهو يعرض أمواله الخاصة للمخاطرة، فكيف يمكنه تجنب المخاطرة وهو ملزم بالشراء والبيع في جميع الأوقات، في الصعود والنزول؟ إحدى الطرق تأتي من خلال إطار عمل صانع السوق من حيث مقدار خفض العمولة كما ذكرنا، وكذلك من حيث قيمة الأوامر التي عليه إدخالها، حيث تزيد وتنقص حسب ذبذبة السهم وسيولته المعتادة، وكذلك في مقدار الفارق المسموح له بين العرض والطلب، فكلما زادت مخاطرة السهم زاد الفارق المسموح، وهذا بالطبع في مصلحة صانع السوق، إضافة إلى عدد الساعات المطلوب منه الوجود فيها، حيث تزيد مشاركته الزمنية مع نقص المخاطرة الناتجة عن تذبذب السهم.
باختصار، صناعة السوق ستنجح في السعودية متى تم توجيهها نحو أسهم الشركات ضعيفة السيولة ونحو الأسواق التي بحاجة ماسة إليها، مثل العقود المستقبلية وعقود الخيارات، ومن جهة أخرى بعدم اشتراط موافقة الشركة على مزاولة صناعة السوق في أسهمها، إلى جانب ترتيبات أخرى قد نتطرق إليها لاحقاً، كإمكانية قيام صانع السوق بالبيع المكشوف العاري، ولا سيما أن عمليات التحوط المتاحة له محدودة جداً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي