ثغرات في مسار الائتمان العالمي
بينما تتراجعت المؤثرات السلبية حيال الاقتصاد العالمي، من أكثر من جانب، لا يزال هناك قلق حاضر على الساحة، بشأن وضعية الائتمان على مستوى العالم. العوامل التي تنعكس سلباً في هذا الميدان لا تزال موجودة، ومعالجتها اليوم، باتت ضرورية لاستكمال وتيرة الانفراج الاقتصادي، الذي يتطلب مزيداً من الدعم، والأدوات المحركة، لضمان نهاية المنغصات الاقتصادية قبل حلول العقد المقبل. في العقد الحالي.
ستبقى الآثار السلبية لمجموعة من الأزمات انطلقت مع بدايته، من جائحة "كورونا" إلى الموجة التضخمية التي زادت من الأعباء على كل الاقتصادات دون استثناء، إلى اضطرابات طويلة الأمد في سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة. ناهيك عن الأجواء غير المساعدة التي تتركها المواجهات التجارية هناك وهناك. هذه الأخيرة مرشحة لمزيد من التفاقم، بعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
والواقع أن العالم يترقب تسلم ترمب زمام الحكم بداية العام المقبل، لمعرفة حجم الآثار التي تتركها سياسته الاقتصادية على الساحة الدولية، خصوصاً إذا ما نفذ ما تعهد به خلال حملته الانتخابية. لكن في الوقت نفسه، يمكن القول، إن الرئيس المنتخب قد لا يكون صارماً كثيراً في تنفيذ تعهداته القائمة أساساً على "حماية" اقتصاد بلاده وفق رؤيته.
والأهم، أن الموشرات الراهنة، تدعم الاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي سيكون في الفترة المقبلة، إلى ما كان عليه في سابقاً، مع التوجهات الراهنة لدى المشرعين حول العالم، بمواصلة تخفيف معدلات الفائدة، مدعومة بتراجع التضخم، واستقرار الأسعار. وهذا يعني، أن النمو العالمي سيتعزز، وإن بشكل متفاوت، لأن المرحلة المقبلة تحتاج لهذا النمو، لتكريس "التخارج" من حالتي الركود والتباطؤ.
من النقاط المهمة على صعيد وضعية الائتمان العالمي، أن النمو لن يكون بالمستوى المرتفع في أغلبية الدول، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع وتيرة الاستثمار، في ظل وجود ديون مرتفعة جداً، إلى درجة وصولها لأكثر من قيمة الناتج المحلي في عديد من البلدان، الأمر الذي سيؤثر في عودة الاقتصاد الكلي إلى ما كان عليه في العقد الماضي.
وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، تشير إلى مجموعة من العوامل الأخرى بشأن الائتمان، مثل القيود المؤسسية في بعض الدول الناشئة الوازنة، إلى جانب التركيبة السكانية وحراك الرقمنة، والتكاليف المرتبعة جداً للتحول المناخي، الذي بات الهاجس الأهم على الساحة الدولية عموماً. أي أن المؤثرات السلبية في الائتمان متعددة، في ظل عدم وضوح شكل الاقتصاد العالمي بعد، في ظل إدارة دونالد ترمب الآتية إلى البيت الأبيض.
وما يثير القلق أيضاً تجاه حالة الائتمان العالمي، ما يعرف بسعر الفائدة "المحايد". صحيح أن البنوك المركزية الرئيسية، تتجه نحو تخفيض تكاليف الاقتراض، وحركت بالفعل عجلة الاقتصادات وإن بوتيرة متواضعة، إلا أن الصحيح أيضاً، أنها لن تتمكن من إيصالها إلى المستوى الصفري، كما كان الأمر في العقد الماضي.
وبالتالي، فإن سعر الفائدة المحايد الذي لا يحفز النمو، ولا يعوقه، لن يترك آثاراً قوية على الساحة الاقتصادية. مشكلة الائتمان ترتبط أيضاً، بالقدرة توفير أقل قدر من تكاليف الاقتراض، مع ضمان مستوى من التضخم قريباً من الحد الأقصى الذي يعتمده المشرعون عند 2 %. أغلب الجهات الدولية المعنية، تتوقع سعراً محايداً للفائدة، عند 3 % أمريكياً، و2 % أوروبياً.
العوامل السلبية التي تحوم حول الائتمان العالمي، لن تزول في الفترة المقبلة، ولكن يمكن العمل على تخفيفها، من خلال سياسات متوازنة، في ظل تحولات هائلة وسريعة في قطاعات متعددة، و"مرونة" ما ستتبعه الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، فضلاً عن حتمية تراجع التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.