المياه المعبأة.. من سلعة استهلاكية إلى منتج فاخر
توسعت صناعة تعبئة المياه في العالم في الربع الأخير من القرن الماضي، لكن أدائها كان متواضعا حتى مطلع الألفية الثالثة، رغم تزايد الإقبال وذلك بسبب اتساع نطاق التلوث، وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية التي تتحدث عن استخدام ما لا يقل عن 1.7 مليار شخص مصادر مياه شرب ملوثة.
خبراء منصة "Mordor Intelligence" يتوقعون أن يصل حجم سوق المياه المعبأة 274 مليار دولار عام 2024، مع تقديرات بتجاوزها أكثر من 308 مليار دولار بحلول 2029، مسجلة بذلك معدلا سنويا مركبا يقدر بـ 6.8 خلال الفترة 2029-2024.
أرقام يؤكدها استطلاع للرأي حديث شمل 20 دولة في مختلف مناطق العالم، يفيد أن ما بين 2/3 و3/4 السكان يستهلكون بانتظام المياه المعبأة. ففي إيطاليا مثلا تصل النسبة إلى 75%، وفي المكسيك 69%، و62% بألمانيا وإسبانيا، و61% في الولايات المتحدة، وفي الصين 51%.
إقبال لم تؤثر عليه التحذيرات المتلاحقة من الأضرار المتزايدة لهذه الصناعة على البيئة، بما تخلفه من نفايات بلاستيكية، وكذا على صحة الإنسان، فأحدث دراسة علمية في مجلة "PNAS"، مطلع العام الجاري، كشفت عن احتمال احتواء المياه جسيمات نانوية من البلاستيك، من شأنها أن تشكل خطرا رئيسيا على صحة الإنسان.
ولم يتأثر أيضا بارتفاع أسعار المياه المعبأة، بما يصل أحيانا 100 مرة مقارنة بالمياه العادية. فثمن العبوة الواحدة بحجم 0.33 لتر، حسب تقرير منصة "ًWPR"، يبلغ في سويسرا 4,58 دولار، ويصل في لوكسمبورغ إلى 3.40 دولار، و2.92 دولار في الدنمارك.
وحتى في البلدان التي اعتبر فيها التقرير المياه المعبأة سلعة رخيصة، فالأثمنة تبقى مرتفعة قياسا إلى مياه الصنبور، فثمن قنينة بسعة 1/3 لتر في مصر التي تتصدر القائمة، يقدر ب 0.12 دولار، ويصل في بنغلاديش إلى 0.15 دولار، وفي نيبال 0.17 دولار.
مهما ارتفعت أسعار المياه في هذه الدول، فهي بخسة بالمقارنة مع مياه شركة فيليكو "Fillico" في اليابان، التي يصل سعر اللتر الواحد من 1390 دولار أمريكي، وقد يرتفع الثمن أحيانا إلى 10 آلاف دولار بالنسبة لبعض الإصدارات المحدودة.
مياه الشركة ليست سرا في حد ذاته، فمصدرها نبع نينوبيكي في أعماق منتزه ركو الوطني في مقاطعة هيوغو، تخضع للترشيح الطبيعي من خلال الصخور البركانية، مع حرص الشركة الشديد على استخدام تقنيات معالجة بسيطة قصد الحفاظ على نقائها الطبيعي.
لكن السر وراء نجاح الشركة التي انطلقت في 2005 كان في توفير منتوج فاخر يدفع الأفراد الأموال نظير الحصول عليه. ونجح في ذلك بالتركيز على تصميم العبوات أو القوارير التي تسوق بوصفها عملا فنيا في حد ذاته، عادة ما تزينه حبات الكريستال أو زخارف ذهبية وما إلى ذلك.
تصنع زجاجة مياه فيليكو بطريقة يدوية، وهناك حديث عن حصر الإنتاج في 5000 قنينة في الشهر، قصد الحفاظ على ارتفاع الأسعار. هكذا تتعدى قنان فيليكو مجرد حاويات فارغة لتصير رمزا للمكانة الاجتماعية، لا سيما بعد تحول مياه الشركة إلى الراعي الرسمي لمهرجان كان السينمائي.
سارت شركات أخرى على ذات النهج، بالاستثمار في المياه المعبأة لا باعتبارها من أكثر السلع الاستهلاكية التي يحتاج إليها البشر، ولكنها بوصفها منتوجا فاخرا موجها لشرائح بعينها. بهذا دخلت قارورة "أكوا دي كريستال"، عام 2010، موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بوصفها أغلى قارورة مياه في العالم (5 ملايين دولار).