صدام الأجيال.. ثورة ساعات العمل تنقذ الشباب من الموت في اليابان
لطالما كانت ثقافة العمل في اليابان مرادفة لساعات العمل الشاقة والتضحية بالنفس.
لكن يبدو أن ثورة هادئة تتشكل الآن، فالعمال اليابانيون الأصغر سنا يعملون ساعات أقل من أي وقت مضى منذ مطلع هذا القرن، ما يعزز الآمال في أن تبدأ "كاروشي" في الانخفاض، وهي ظاهرة تعني الموت بسبب الإفراط في العمل، وفقا لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست.
في الأعوام الأخيرة، انخفضت ساعات العمل السنوية في اليابان 11.6 % خلال الفترة من 1839 في 2000 إلى 1626 في 2022، وفقا للنتائج التي توصل إليها تاكاشي ساكاموتو، المحلل في معهد ريكروت ووركس. هذا الانخفاض يجعل اليابان في المستوى نفسه من ساعات عمل عديد من الدول الأوروبية.
كانت الفئة العمرية الأصغر، خاصة الرجال في العشرينيات، الأكثر تأثرا بهذا التغيير، حيث انخفضت ساعات عملهم الأسبوعية من 46.4 ساعة في 2000 إلى 38.1 ساعة في 2023، وفقا لتقرير ساكاموتو "الاقتصاد الحقيقي لليابان"، الذي نُشر في نوفمبر.
هذا التحول مدفوع بالتغير الجيلي. على عكس آبائهم، الذين عملوا ساعات طويلة مقابل النمو الاقتصادي والأمن الوظيفي، يعطي شباب اليابان الأولوية للتوازن بين العمل والحياة ويرفضون قبول ظروف العمل القاسية.
من جهته، يقول ماكوتو واتانابي، أستاذ الاتصالات والإعلام في جامعة هوكايدو بونكيو: "في السبعينيات والثمانينيات، كان هناك نمو اقتصادي سريع وكلما عمل الأشخاص أكثر، زاد دخلهم. وإذا كان ما تكسبه كثيرا، فإن يجعل العمل الشاق يستحق العناء. لكن الوضع تغير الآن". ويضيف أن الاعتقاد السائد بين الجيل القديم هو أن العمل الجاد سيزيد الدخل. ولكن الشباب اليوم يؤمنون أن العمل الجاد يعني التعرض للاستغلال.
أعطى نقص العمالة في اليابان أيضا للموظفين الأصغر سنا ميزة نادرة: وهي النفوذ. الشركات يائسة للغاية في الحصول على المواهب لدرجة أنها بدأت في جذب طلاب الجامعات قبل أن ينتهوا من دراستهم على أمل توظيفهم قبل التخرج. وبالنسبة إلى الموظفين الذين يشعرون بالإرهاق أو التقليل من قيمتهم، فإن العثور على وظيفة جديدة أسهل من أي وقت مضى.
ينعكس التحول أيضا في الأجور. رغم العمل لساعات أقل، ارتفعت أجور من هم في العشرينات من العمر 25 % منذ عام 2000، وفقا لتقرير ساكاموتو. وفي الوقت نفسه، شركات قليلة التي تطلب من الموظفين العمل الإضافي دون أجر، وهي قضية قديمة في المكاتب اليابانية.
يقول علماء الاجتماع مثل إيزومي تسوجي من جامعة تشو في طوكيو، إن الاستقرار، وليس الطموح، هو هدف العمال الأصغر سنا "الوضع في الوقت الحالي غير مستقر يجد الشباب صعوبة في أن يحلموا بمستقبلهم، لذا يريدون فقط الاستقرار في حياتهم اليومية. يريدون كسب ما يكفي من المال للعيش، وأن يكونوا مرتاحين.. لقد وضعوا طموحاتهم الكبيرة جانبا".
هذه الأخلاقيات الجديدة محبطة للعمال الأكبر سنا، الذين بنوا حياتهم المهنية على ساعات عمل طويلة. أشار تسوجي إلى أن المديرين في الخمسينيات والستينيات من العمر يحاولون تجنب شكاوى الإفراط في العمل من زملائهم الأصغر سنا.
لكن للتحول الثقافي جانب إيجابي. لا تزال أزمة الكاروشي في اليابان حادة - توفي 2968 شخصا بسبب الانتحار المرتبط بالإفراط في العمل في 2022، ارتفاعا من 1935 في العام السابق، وفقا لتقرير حكومي.
تشير البيانات الرسمية لعام 2023 إلى وجود 54 حالة وفاة مرتبطة بمشكلات صحية ناجمة عن الإفراط في العمل مثل السكتات الدماغية والنوبات القلبية، لكن يشير خبراء إلى أن العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير.