أسود تسكن البيت الأبيض
يومان والعالم يدخل حقبة جديدة. في العشرين من هذا الشهر يتم تنصيب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة مدشنا فترة رئاسة ثانية للولايات المتحدة. وهل أنا في حاجة كي أسرد على مسامعكم عظمة وقوة هذه الدولة عسكريا أو اقتصاديا.
لقد قيل كثير عن العودة، وبقوة وتفويض شعبي كبير لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة، إن أخذنا في عين الاعتبار مجريات الحياة السياسية في هذا البلد الذي ربما ليس هناك دولة في العالم لا تحسب له ألف حساب.
وأظن، ولنقل إن بعض الظن إثم، إن الولايات المتحدة حاليا من الجبروت في مكان حتى صارت هي تخشى نفسها، بمعنى أن تبعات التجبر قد ترجع وبالا عليها، وهذا في الحقيقة ما يخشاه بعض المفكرين والمحللين في البلد ذاته.
ولتفسير ما أرمي إليه، دعني أستهل ببعض من الفكر الفلسفي الغربي ذاته. للعقل البشري مكانة كبيرة في الفلسفة الغربية، حيث تقاس وتفسر وتحدد وتقيّم الظواهر بقدر معرفة العقل البشري عنها.
ومع ذلك ورغم الدور المحوري للعقل، من النادر أن يعطيه أي مفكر القدرة الكاملة على فهم ظواهر الكون، على العكس هناك دائما تأكيد أن الاستيعاب المعرفي للعقل البشري محدود، وأن معرفته بالكون لا تتعدى الظاهر من الوجود. كلما توسع في معرفته للظاهر من الكون، ازداد استيعاب عقله.
في خضم هذا الجدل الذي يأخذ حصة كبيرة في النقاشات الفلسفية، يرى بعض المفكرين أن هناك خطورة كبيرة، لا بل وجودية إن عبر العقل البشري في معرفته بالكون الحدود المتاحة لعقله.
الإنسان بطبيعته لا يحبذ الحدود والتضييق، ولذا نلحظ أن ما كان البارحة لغزا وخارج الظاهر من المعرفة، صار اليوم مكونا أساسيا من معرفة العقل البشري.
لماذا الخطورة؟ الخطورة تنبع من كون المعرفة سلاحا ذي حدين. ولشرح ذلك، يرد بعض المفكرين مثال الأسد الذي تختلف ظاهرة كونه حيوانا صغيرا أليفا ممكن التأقلم والعيش معه وتربيته مثل الحمل الوديع، مع ظاهرة كونه حيوانا كبيرا مفترسا قد يلتهم صاحبه.
ونظرة معمقة للشركات التكنولوجية الحديثة العملاقة قد يمكننا من فهم مثال الأسد الصغير الوديع والأسد الكبير الفتاك.
خطر كل هذا ببالي عندما قرأت أن أصحاب 3 شركات أمريكية تكنولوجية عملاقة سيجلسون في مقدمة الصفوف في حفل تنصيب دونالد ترمب يوم الاثنين القادم، وهم: مارك زوكربيرج صاحب فيسبوك، وجيف بيزوس صاحب أمازون، وإيلون ماسك صاحب تسلا وتويتر وسبيس إكس، وهلم جرا.
الأخير يبدو أنه قد كسب قلب وعقل ترمب، حيث سيكون له دور بارز في إدارة البيت الأبيض القادمة، وهذا الإنجاز لم يأت من عدم، بل من خلال التأثير المالي (أكثر من ربع مليار دولار أنفقها ماسك على حملة ترمب الانتخابية). وكي لا يخرجا من المولد بلا حمص، هرع كل من زوكربيرج وبيزوس في تقديم الولاء لترمب وحصلا على المكانة البارزة في حفل التنصيب.
الثلاثة من أغنى الأغنياء في العالم، بثروة شخصية تقترب من 900 مليار دولار. أما القيمة السوقية لشركاتهم فإنها تعبر 5 تريليونات دولار. المبلغ خرافي. 3 شركات وحسب في أمريكا تزيد قيمتها بنحو 1,5 ترليون دولار عن قيمة الإنتاج الوطني للهند التي يقطنها 1,4 مليار إنسان.
المال مهم، ولكن الأهم أن هؤلاء الثلاثة، ومعهم 3 آخرون بيدهم اليوم خوارزميات (وهي عقول بشرية تقريبا) تعمل على اكتشاف ظواهر الكون، أي تشغل عقولها الآلية وتزداد معرفة بالوجود، وهي في طريقها كي تسبق ما هو متاح للعقل البشري.
الخوف أن الأسد الوديع في طريقه ليصبح أسدا مفترسا، بعد أن فرشت له إدارة ترمب السجاد الأحمر كي يسكن في البيت الأبيض ويسهم في اتخاذ القرار.