تحليل شامل: كيف تؤثر العقوبات الأمريكية على تدفقات النفط الروسي؟
يبدو أن العقوبات الأمريكية الأخيرة على ناقلات النفط المستخدمة في نقل الخام الروسي ستثير اضطرابات شديدة في منظومة الصادرات الروسية، إذ تواجه بعض تدفقات النفط في موسكو خطر التوقف بناءً على إجراءات سابقة مماثلة.
يُظهر تحليل السفن التي استهدفتها واشنطن أن حوالي 1.5 مليون برميل يومياً من الخام المنقول من موانئ المحيط الهادئ والقطب الشمالي قد تتقلص بشكل حاد. ويعتمد أكثر من ثلث هذه الشحنات على ناقلات متخصصة ومصممة خصيصاً لهذه العمليات والتي سيكون استبدالها أمراً بالغ الصعوبة. أما بالنسبة لتدفقات "خام الأورال" الأساسية في روسيا، والتي تُصدر عبر موانئ بحر البلطيق والبحر الأسود، فمن المتوقع أن تواجه قيوداً أقل حدة، لكنها تظل مؤثرة بشكل كبير.
تأثير العقوبات الأمريكية على سعر النفط
فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، يوم الجمعة، قيوداً على 158 ناقلة نفط تشارك في تجارة النفط الروسية، فيما استهدفت وزارة الخارجية ثلاث سفن أخرى. وتُعد هذه التدابير جزءاً من الجولة الأكثر شراسة من العقوبات المفروضة على تجارة النفط الروسية من جانب أي قوة غربية منذ اندلاع حرب أوكرانيا قبل نحو ثلاثة أعوام.
لا تزال أسواق النفط تحلل تأثير العقوبات، التي قد تعيد تشكيل توقعات التجار بشأن فائض العرض العالمي في 2025. ومنذ الإعلان عن التدابير الجديدة، ارتفع سعر مزيج برنت بمقدار 5 دولارات للبرميل، وسط توقعات باستمرار صعوده.
تداعيات الجولات السابقة من العقوبات
تُظهر بيانات تتبع حركة السفن أن الجولات السابقة من العقوبات الأمريكية كانت مؤثرة للغاية على تجارة النفط الروسي. فقد أثرت على سلوك المشترين الصينيين والهنود الذين أصبحوا أكثر حذراً لتجنب الوقوع تحت طائلة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية. منذ أن بدأ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في فرض عقوبات على الناقلات المشاركة في تجارة النفط الروسية في أكتوبر 2023، لم تتمكن سوى ناقلتين من أصل 39 ناقلة استهدفتها العقوبات الأسبوع الماضي من نقل أكثر من شحنة واحدة، بينما توقفت 33 ناقلة عن العمل تماماً.
إلى جانب العقوبات التي استهدفت ناقلات النفط، يفكر المشترون في اتخاذ تدابير أوسع نطاقاً تستهدف سلسلة الإمداد الروسية بشكل مباشر، مما يدفع البعض للبحث عن مصادر بديلة للامدادات.
فيما يلي نظرة عامة على الناقلات الخاضعة للعقوبات والأنشطة التجارية التي كانت تقوم بها قبل فرض القيود عليها:
تدفقات النفط الأكثر تضرراً
تدفقات النفط الأكثر عرضة للاضطراب هي تلك التي تعتمد على أنظمة نقل مخصصة لمشروعات محددة أو مجموعات صغيرة من الحقول. وتضم هذه التدفقات حوالي 550 ألف برميل يومياً من الخام المستخرج من القطب الشمالي وجزيرة سخالين في آسيا، حيث يتم نقلها عبر ناقلات متخصصة صُممت لتلبية متطلبات فريدة، وجميعها أصبحت خاضعة للعقوبات الأمريكية.
مشروعا "سخالين 1" و"سخالين 2"، الواقعان في المحيط الهادئ الروسي، يقدمان مجتمعين حوالي 250 ألف برميل يومياً من النفط. وقد تأثرا بشدة جراء العقوبات التي استهدفت جميع أساطيل الناقلات المخصصة لنقل إنتاجهما. وتعتمد هذه الناقلات على آلية تحميل خاصة لتسليم الخام من عوامات التصدير الخاصة بالمشروعين. ولا توجد حالياً سفن بديلة غير خاضعة للعقوبات قادرة على أداء هذه المهمة.
عادةً ما تنقل هذه الناقلات خام "سوكول" المنتج في مشروع "سخالين 1" ومزيج سخالين المنتج في مشروع "سخالين 2" إلى الموانئ الصينية مباشرة.
شحنات القطب الشمالي
في القطب الشمالي، تعتمد ثلاثة موانئ على أساطيل مخصصة من ناقلات النفط المكوكية لنقل حوالي 300 ألف برميل يومياً إلى ميناء مورمانسك، حيث يتم تجميع الشحنات في ناقلات أكبر بسعة تصل إلى مليون برميل للتصدير. وقد استهدفت العقوبات جميع الناقلات المستخدمة في هذه العمليات، بالإضافة إلى سفينتي التخزين "أومبا" و"كولا"، اللتين تستقبلان شحنات الناقلات المكوكية.
يتولى ميناء "أركتيك غيتس" (Arctic Gates) التابع لشركة "غازبروم نفت" (Gazprom Neft) التعامل مع الخام القادم من حقل "نوفي بورت" (Novy Port) التابع للشركة والواقع جنوب شبه جزيرة يامال. وقد فُرضت عقوبات على الشركة وأسطولها المكون من سبع ناقلات متخصصة من فئة "آرك 7" (Arc7)، المصممة للتعامل مع الظروف الصعبة في المياه الضحلة لخليج أوب.
كما شملت العقوبات ناقلتين مخصصتين لخدمة حقل بريرازلومنوي التابع لشركة "غازبروم نفت".
ويُعد خام "فاراندي" التابع لشركة "لوك أويل" (Lukoil) ثالث درجة من القطب الشمالي تتأثر أيضاً بالعقوبات، إذ فٌرضت قيود على ثلاث ناقلات مخصصة لنقل الخام بين محطة فاراندي وميناء مورمانسك.
خيارات بديلة
بدأت العقوبات الأخيرة تؤثر بشكل واضح على ناقلات النفط الروسية، خاصة تلك القادمة من القطب الشمالي. إذ غيرت سفينتان غير خاضعتين للعقوبات، كانتا في طريقهما إلى ميناء مورمانسك، مسارهما بالقرب من مدينة ترومسو النرويجية بعد أيام قليلة من الإعلان عن الإجراءات.
مع ذلك، تأمل روسيا في أن تكون نسبة صغيرة فقط من الناقلات الدولية التي تجمع الشحنات من السفن المستهدفة قد تعرضت للعقوبات. لذا، إذا أبدى المشترون وشركات الشحن استعداداً للتعامل مع النفط المنقول عبر ناقلات خاضعة للعقوبات، فمن المحتمل أن يستمر تدفق النفط الروسي.
من الممكن أن يزداد اللجوء إلى عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى، وهي ممارسة انتقدتها المنظمة البحرية الدولية. ولتحقيق ذلك، يتعين على مشتري النفط الروسي التأكد من إمكانية استلامهم شحنات النفط من سفن جمعت الشحنات من ناقلات خاضعة للعقوبات.
خام "إسبو"
يتعرض حوالي 900 ألف برميل يومياً من خام "إسبو" (ESPO)، الذي سُمي نسبةً إلى الأحرف الأولى لخط الأنابيب الذي ينقل النفط من شرق سيبيريا إلى المحيط الهادئ، لضغوط كبيرة بسبب العقوبات الأمريكية. ويُعتبر هذا الخط أكبر مجرى تصديري من ميناء واحد في روسيا.
تتجه غالبية صادرات "إسبو" إلى الصين عبر ميناء كوزمينو في المحيط الهادئ. ومنذ أكتوبر الماضي، تم شحن حوالي ثلاثة أرباع هذه الشحنات باستخدام ناقلات باتت الآن خاضعة للعقوبات الأمريكية.
ورغم عدم وجود أسطول مخصص بالكامل لخدمة ميناء كوزمينو، إلا أن العديد من الناقلات قامت برحلات متعددة بينه وبين الموانئ الصينية خلال الأشهر الثلاثة والنصف الماضية.
ومنذ بداية ديسمبر، حملت 41 سفينة مختلفة الخام من ميناء كوزمينو، منها 32 سفينة، أو ما يعادل 78%، تخضع حالياً للعقوبات. ومن بين هذه السفن، زارت 13 سفينة الميناء أربع مرات على الأقل منذ أكتوبر الماضي. تجدر الإشارة إلى أن الناقلات التي تخدم ميناء كوزمينو لا تتطلب معدات خاصة.
تدفقات خام "الأورال"
يُعد "الأورال" الخام الرئيسي لروسيا، حيث يتم شحن نحو 1.8 مليون برميل يومياً من ثلاثة موانئ غربية رئيسية.
منذ بداية أكتوبر، نُقلت ربع شحنات من خام "الأورال" باستخدام ناقلات باتت الآن مُدرجة على القائمة السوداء من قبل واشنطن، وهي النسبة الأقل مقارنة بأي درجة أو تدفقات نفطية أخرى.
إضافة إلى ذلك، تم تحميل حوالي 30 شحنة، أو ما يعادل 13% من الإجمالي، على ناقلات خضعت لعقوبات فرضتها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكنها ليست مشمولة ضمن عقوبات واشنطن.
يتم تصدير خام "الأورال" عبر موانئ "بريمويرسك" و"أوست-لوغا" على بحر البلطيق، و"نوفوروسيسك" على البحر الأسود.
ينتهي المطاف بثلاثة أرباع شحنات خام "الأورال" في الهند، التي تستعد لرفض استقبال الناقلات الخاضعة لعقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، بينما تستحوذ تركيا على 20% أخرى من هذه الشحنات. أما الصادرات المتجهة من بحر البلطيق والبحر الأسود إلى الصين فهي محدودة، حيث وصلت 11 شحنة فقط من أصل 235 شحنة إلى هناك.