تراجع الأصول الأجنبية لدى البنوك .. لماذا؟

في السنوات القليلة الماضية حدث تراجع ملحوظ في صافي قيمة الأصول الأجنبية لدى البنوك في السعودية، إلى درجة أنه في 2024 لأول مرة أصبح 34 مليار ريال بالسالب، فماذا يعني ذلك؟ وما المقصود بصافي الأصول الأجنبية؟ وماذا عن الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي؟ وكيف تنخفض الأصول الأجنبية في السنوات التي نجد فيها تزايد إصدارات الصكوك المقومة بالدولار؟ أليس من المفترض أن تزداد الأصول الأجنبية بدلاً من أن تنخفض؟ قبل أن نأتي إلى التفاصيل، الأسباب الرئيسية تعود إلى الحراك الكبير في الاقتصاد السعودي والخطط والإستراتيجيات الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، ورؤية 2030 وما يكتنفها من مشاريع ضخمة منتشرة في جميع أرجاء السعودية، إضافة إلى نشاطات صندوق الاستثمارات العامة وغيرها من الأنشطة التي أصبحت حديث الأوساط الاقتصادية والمالية حول العالم.

عودة إلى التساؤل عن سبب تراجع صافي الأصول الأجنبية في حين إنه فقط في 2024 هناك عدة إصدارات كبيرة بالدولار، منها 1.25 مليار دولار من قبل البنك الأهلي، 1.5 مليار دولار لبنك الرياض، 1.5 مليار دولار لبنك الراجحي، ومبالغ شبيهة لبنوك أخرى، إلى جانب 17 مليار دولار أصدرها المركز الوطني لإدارة الدين، و3 مليارات دولار من قبل شركة أرامكو في سبتمبر الماضي، وغيرها. هذه العمليات ينتج عنها ارتفاع في حجم الأصول الأجنبية، لكن هناك كذلك التزامات أجنبية، فمثلاً تلك السندات التي تم إصدارها تحسب من ضمن الالتزامات على البنوك، وبالتالي من المفترض ألا يحصل تأثير في صافي الأصول الأجنبية، أي إن الزيادة في الأصول تقابلها زيادة مطابقة في الالتزامات، ومع ذلك كما رأينا حدث بالفعل تراجع في صافي الأصول الأجنبية، فما السبب؟

بل حتى تلك المبالغ الأجنبية التي تتحصل عليها أرامكو وغيرها من الشركات، وكذلك مركز الدين وغيرهم، فهي إما أن تصرف في الخارج في استثمارات أجنبية، وبالتالي ليس لها تأثير في صافي الأصول الأجنبية في السعودية، أو أنها بالفعل تودع في البنوك السعودية، وهذا ما يحدث في معظم الحالات، سواء تلك المصدرة من قبل البنوك أو غيرها، وهذا من المفترض أن يؤدي إلى زيادة الأصول الأجنبية لدى البنوك. لكن حين تقوم البنوك باستبدال تلك الأصول الأجنبية بالريال السعودي لدعم الأنشطة المالية والاقتصادية المحلية فإنها في معظم الحالات تقوم بذلك عن طريق البنك المركزي "ساما"، وبالتالي من المفترض أن نجد ارتفاعا في الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي، لأنه يتحصل على العملة الأجنبية ويقوم بدفع ما يعادلها بالريال للبنوك، إلا أننا على العكس من ذلك نجد ثباتا أو تراجعا في حجم الأصول الأجنبية لديه، التي تبلغ حالياً نحو 1.55 تريليون ريال، فما مصير تلك العملات الأجنبية؟

تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى كل من البنوك التجارية والبنك المركزي نجد تفسيره في ارتفاع عرض النقود بالريال السعودي، الذي ارتفع بنسبة 8.8% هذا العام فقط، بل إنه ارتفع بنحو ثلاثة أضعاف منذ 2010، ما يعني أن الأصول الأجنبية التي تجد طريقها إلى السعودية، يتم ضخها في الاقتصاد السعودي عن طريق زيادة عرض النقود، وعلى الرغم من أنه معروف أن زيادة عرض النقود تؤدي إلى تضخم الأسعار، إلا أن ذلك لم يحدث في الاقتصاد السعودي، والأسباب هي - كما تم تفصيله في مقال سابق عن نظرية كمية النقود - هي أنه إذا كانت زيادة النقد في البلاد استجابة لمتطلبات اقتصادية حقيقية فإنه يمكن السيطرة على التضخم بشكل فعال، إضافة إلى أن هناك عمليات نقدية فعالة يقوم بها البنك المركزي لإدارة السيولة، وهناك فوائد كبيرة يجنيها الاقتصاد السعودي من مسألة السيطرة على التضخم نتيجة الارتباط بالدولار الأمريكي، وعندها نجد أن تراجع صافي الأصول الأجنبية يأتي بسبب الحراك الاقتصادي الكبير في الاقتصاد السعودي، وأن ذلك التراجع يحدث لأسباب صحية ومفيدة، وليس كما قد يظن لأول وهلة.            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي