التجارة الإلكترونية .. تحدٍ لشركات التجزئة لا يخلو من فرص النمو
في مواجهة التحديات التي فرضتها التجارة الإلكترونية، تجد شركات التجزئة نفسها أمام خيار حاسم؛ إما التكيّف مع التحول الرقمي وبناء علاقة تكاملية تخلق مزيدا من فرص الاستدامة والنمو، أو خسارة حصة مهمة في سوق متنامية.
فمع تنامي سوق التجارة الإلكترونية، خاصة في حقبة جائحة كورونا وما أفرزته من تغيرات لاحقة في أنماط الشراء، تراجعت أعداد زبائن المتاجر التقليدية، وهو ما دفع شركات إلى تبني إستراتيجيات التحول الرقمي لمواكبة منافسة المنصات العالمية على الحصة السوقية.
ترى بعض شركات التجزئة فرصا للنمو، تخلقها التجارة الإلكترونية، مع توقعات بزيادة مبيعاتها الرقمية في المستقبل القريب؛ لذلك، تركز مثل هذه الشركات على سلاسل التوريد الحديثة والتحول الرقمي كركيزتين أساسيتين للنجاح في سوق تتطور بوتيرة متسارعة.
"الاقتصادية" تحدثت إلى 4 من كبريات الشركات المحلية والعالمية حول هذه التحولات على هامش منتدى قمة قادة التجزئة في الرياض، ومن بينها ساكو المدرجة في السوق السعودية.
تغير أنماط المستهلكين
عبد السلام بدير، الرئيس التنفيذي لشركة "ساكو" ، أوضح لـ "الاقتصادية" أن من بين أسباب التحول في أنماط المستهلكين جائحة كورونا، حيث أصبحت فئات كبيرة من المستهلكين تعتمد على التجارة الإلكترونية في تلبية احتياجاتها.
وأشار إلى تغيرات في سلوك المستهلك في السعودية كان لها أثر تمثل في انخفاض الطلب على منتجات تقليدية كانت تشكل جزءا رئيسيا من مبيعات الشركة؛ وذكر أن هذه التغيرات شملت زيادة الإنفاق على الترفيه والمطاعم، والتوجه إلى تملك المنازل بدلا من الاستئجار.
وقال "إنه في مواجهة هذه التحديات، أطلقت (ساكو) خطة للتحول الإستراتيجي في مارس 2023 شملت إغلاق الفروع غير المربحة، وتحسين عمليّات الاستيراد من الأسواق العالمية، وتعزيز تجربة التسوق عبر الإنترنت، فضلا عن تسريع عمليات التوصيل، حيث أصبح بإمكان العملاء في المدن الكبرى استلام مشترياتهم خلال يوم واحد فقط".
غير أنه أكد أن المتاجر التقليدية ما زالت تحظى بإقبال المستهلكين، خاصة فيما يخص المنتجات التي يفضل بعض الزبائن معاينتها قبل الشراء. وأكد أن خطة التحول أعادت ساكو إلى مسار النمو والاستقرار المالي، حيث تحسنت نتائج الشركة بشكل مستمر خلال الأرباع المالية الأخيرة.
فرصة للنمو
تيراج تكشنداني، رئيس مجلس إدارة مجموعة "أباريل"، أكد بدوره لـ "الاقتصادية" أن المجموعة تضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية وسلاسل التوريد لدعم إستراتيجيتها في التجارة الإلكترونية، معتبرا التجارة الإلكترونية تمثل فرصة للنمو.
وبينما ذكر أن المجموعة تخطط لمضاعفة عدد متاجرها من 50 إلى 100 متجر بنهاية هذا العام، أشار إلى أن التجارة الإلكترونية أصبحت تمثل أكثر من 10% من إجمالي مبيعات المجموعة وقد ترتفع إلى 25-30% خلال 5 سنوات.
وأشار إلى أن المجموعة تعتمد إستراتيجية توسّع طموح، تشمل زيادة عدد متاجرها في قطاع التجزئة منخفضة السعر، والتوسع في قطاعي المأكولات والمشروبات والترفيه، إلى جانب تعزيز استثماراتها في التجارة الإلكترونية.
ويشهد قطاع التجزئة توجها نحو تطوير تجارب تسوق ترفيهية متكاملة.
توقع تكشنداني أن يكون التحول الرقمي، الذي وصفه بأنه بات "عنصرا حاسما" في نجاح الشركات، "ضرورة إلزامية" بحلول العام المقبل "حيث سيجب على جميع الشركات التكيف مع التكنولوجيا لضمان بقائها في السوق".
علاقة تكاملية
يعد مشروع "ذا بوينت" في منطقة عسير أحد الأمثلة الحيّة على التوجه نحو تطوير تجارب تسوق ترفيهية متكاملة، حيث جرى تطويره ليقدم نموذجا جديدا يجمع بين المركز التجاري التقليدي والمناطق المفتوحة، ما يوفر تجربة تسوق وترفيه متكاملة للسكان والسياح.
ويرى الرئيس التنفيذي لشركة "رسم المتطورة لإدارة الأملاك" آرتين ملتجليان أن العلاقة بين التجارة الإلكترونية والمتاجر التقليديّة ليست علاقة تنافسية بقدر ما هي تكاملية، حيث ما زالت بعض المنتجات، مثل الملابس الفاخرة والأجهزة المنزلية الكبيرة، تتطلب تجربة الشراء عبر متجر فعليّ.
وقال ملتجليان لـ "الاقتصادية"، "إن شركات التجارة الإلكترونية الكبرى، مثل أمازون، بدأت بالفعل افتتاح متاجر واقعية، ما يعكس أهمية الدمج بين التجربة الرقمية والواقعية".
بدوره، بدا عمران العوفي، مدير العمليات في شركة "المراكز العربية" (سينومي سنترز)، أكثر ميلا إلى نموذج المتاجر التقليدية، حيث اعتبر المتاجر الإلكترونية تواجه "تحديات كبيرة" في إدارة عمليات التوصيل خلال المواسم الكبيرة "حيث تشهد شركات الشحن ضغطا هائلا يؤدي في بعض الأحيان إلى تأخير وصول الطلبات".
وقال لـ "الاقتصادية"، "إن تجربة التسوق في المتاجر تتجاوز مجرّد عملية شراء، فهي تجربة متكاملة تجمع بين التسوق والترفيه وقضاء وقت ممتع مع العائلة أو الأصدقاء تظل تجربة التسوّق التقليدية داخل المولات فريدة من نوعها".
من جانبه، أكد زاهر محمد، المستشار الأول في مجال المباني الرقمية في شركة "شنايدر إلكتريك السعودية"، أن الشركات التي تتبنى الحلول الرقمية بفاعلية يمكنها تحقيق وفورات تشغيلية تصل إلى 15%، وزيادة كفاءة العمليات بنسبة تصل إلى 70%.
وقال : "لم يعد التحول الرقمي خيارا، بل أصبح ضرورة إستراتيجية، حيث إن الشركات التي تتأخر في تبنيه ستجد نفسها خارج المنافسة خلال السنوات القليلة المقبلة".