الحلفاء التاريخيون يتواجهون بحرب التجارة

"التعريفات الجمركية الأمريكية غير المبررة، لن تمر دون رد مضاد وحازم"
أرسولا فوندير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية

لا أحد كان يستبعد ما يحصل على الصعيد التجاري الدولي حالياً. فالتزامات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بحملة تعريفات جمركية إضافية تشمل كل الدول، سبقته قبل أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض، بينما العالم عاش شكلاً من أشكال هذه التعريفات وتداعياتها في الفترة الأولى التي حكم فيها ترمب بلاده. لا استثناءات في الرؤية "الترمبية" التجارية.
وهذا يعني لا معاملات خاصة، لأن الشعار الذي ترفعه واشنطن الآن، يفسر بوضوح موجة التعريفات الجديدة، التي بدأ سريانها بالفعل، وتُرك بعضها للتنفيذ لاحقاً. الشعار القديم المتجدد هو أن "أمريكا مظلومة تجارياً واقتصادياً"، ولا يتم التعاطي معها بصورة عادلة، وأنه آن الأوان لتصحيح ذلك. هذا هو مجمل الخطاب الأمريكي الجديد، الذي أيضاً لم يكن غريباً على أحد.
بعد الجيران الذين استهدفهم ترمب بالتعريفات السريعة (كندا والمكسيك)، ومعها الصين، يأتي دور أوروبا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة في أزمنة الحروب، والسلم، والاستقرار، والانفراج. الاتحاد الأوروبي لن يرضخ بالطبع. فهذا الكيان الهائل اقتصادياً، لديه أيضاً أدوات "مزعجة" للرد، والعلاقة التي اضطربت مع واشنطن من وصول ترمب، لا تنحصر بالجانب التجاري.
فهي تشمل ما هو أخطر من ذلك، أي الأمن الأوروبي المتمثل في مركزية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وطبيعة وطريقة حل الأزمة الأوكرانية. ولأن الأمر كذلك يسرع الآن قادة بريطانيا وفرنسا إلى واشنطن لاحتواء ما يمكن احتوائه، وعدم ترك المجال لانتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون أن ننسى، الاختلافات الواسعة بين الطرفين الأوروبي والأمريكي في معالجة الأمور أياً كانت.
لنترك هذه النقطة جانباً. الأوروبيون لا يمكنهم إلا التحرك على الصعيد التجاري، فهم كغيرهم لا يتحملون أي تراجع في العوائد، في ظل أوضاع اقتصادية ليست مستقرة تماماً، ونمو متواضع يجهدون أن يحافظوا عليه في السنتين المقبلتين على الأقل. ترمب منطلقاً من شعاره "أمريكا مظلومة"، يهاجم الاتحاد الأوروبي من جهة الفائض التجاري. إلا أن الرئيس الأمريكي لا يضع عادة في الحسبان مجمل الحركة التجارية بين الطرفين.
صحيح أن أوروبا سجلت (مثلاً) فائضاً تجارياً لصالحها في 2023 بنحو 157 مليار يورو، لكن الصحيح أيضاً، أن الولايات المتحدة سجلت فائضاً لحسابها بقيمة 109 مليارات يورو، في قطاع الخدمات. فالمسألة لا ترتبط بالسلع فقط. ماذا يبقى؟ 48 مليار يورو لصالح أوروبا، وهذا لا يعد رقماً مهماً، إذا ما عرفنا أن حجم التبادل التجاري بين الطرفين يصل إلى 1600 مليار دولار.
في الشهر المقبل سيبدأ تنفيذ تعريفات ترمب على الاتحاد الأوروبي، بينما أبقى بريطانيا على قائمة الانتظار بعض الوقت. وبينما يقوم قادة أوروبا بالتحضير للرد المباشر، يسعون أيضاً إلى بناء تحالفات تجارية جديدة. وهذا بحد ذاته شكل من أشكال الرد. هذه التحالفات تشمل عشرات البلدان بما فيها المكسيك والهند، في حين يتسرب من أروقة الاتحاد الأوروبي، بأن الأخير بدأ يدرس مدى إمكانية التفاهم مع الصين، الدولة التي وضعها البيت الأبيض على رأس "أعدائه" التجاريين. لكن هذا التفاهم ليس سهلاً، لوجود خلافات متأصلة تجارياً بين بكين وأوروبا. سيكون التنويع واحداً من أهم الآليات في المواجهة التجارية على طرفي الأطلسي. فحلفاء الأمس لا مزايا لهم، تماماً مثل جيران الولايات المتحدة.
الرسوم الجمركية الإضافية والتعريفات المضادة، ستدور حتماً في حلقة مفرغة، لا فائز فيها. فإذا فرضت مزيداً من التعريفات، وحققت عوائد إضافية للخزينة العامة، أنت في الواقع تدفع التضخم إلى الأعلى، وللتضخم تكاليف باهظة دفعها الجميع للتو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي