ما فائدة الرسوم الجمركية للاقتصاد الأمريكي ؟

بعد نحو شهرين من اعتلاء الرئيس دونالد ترمب سدة الحكم في الولايات المتحدة لا تزال سردية الرسوم الجمركية هي السائدة، لا بل يبدو أن التشديد عليها يزداد يوما بعد يوم.

هناك تياران في الأقل الواحد يعاكس الآخر داخل الولايات المتحدة حول إن كانت الرسوم الجمركية، التي يفرضها الرئيس ترمب بالجملة حتى على أقرب الحلفاء ودون خشية أو ربما تفكير في العواقب، ستفيد أمريكا أم تضرها.

وقبل الولوج في شرح التيارين باقتضاب يجب القول: إن التعجب أو الصعقة التي أصابت العالم جراء موجات متتالية من الرسوم الجمركية التي يفرضها ترمب هي في غير محلها.

المتابع للفترة الرئاسية الأولى لترمب وحملته الانتخابية الأخيرة لا بد وأن لاحظ أن سياسة الرسوم الجمركية ستكون واحدا من أهم أعمدة مشروعه الاقتصادي للولايات المتحدة إن فاز بفترة رئاسية ثانية.

وكان خصومه في الحملة الانتخابية هذه – إن كان الرئيس السابق جو بايدن ومن ثم نائبته كاميلا هاريس – يتخذون إصراره على سياسة الرسوم الجمركية مثلبة للانتقاص من خططه الاقتصادية والتحذير من أن فوزه سيؤدي إلى فرض واسع للرسوم الجمركية والتي ستكون بمثابة عقوبة للشعب الأمريكي الذي سيتحمل الفاتورة في النهاية من خلال زيادة كبيرة في الأسعار، حسب قولهم.

ودخل علماء اقتصاد كبار في المعمعة أيضا محذرين من أن أي فرض للرسوم الجمركية سيكون له نتائج لا تحمد عقباها على الاقتصاد الأمريكي ولا بد أن ترتد وبالا.

أذكر هنا مقالا قرأته لعالم الاقتصاد الشهير جوزيف ستجليتز صاحب جائزة نوبل فيه يأتي على ما يراه أدلة وبراهين أن أي فرض للرسوم الجمركية من قبل الإدارة الحالية سيكون عملا سيئا ليس للشعب الأمريكي وحسب بل للعالم برمته.

ووافقه زميله، عالم الاقتصاد بول كروكمان، وهو أيضا حاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، الذي كتب مقالا في عموده الأسبوعي في جريدة نيويورك تايمز الشهيرة والمؤثرة، منددا بالرسوم الجمركية قائلا: إنها ليست ذات فائدة تذكر وأن سياسة الرسوم سياسة غبية لا بل "قبيحة".

هذا عدا ما أتى به علماء اقتصاد آخرون موثقين لما يرونه أثارا ضارة للرسوم الجمركية وتحذيرات صحف ومجلات ذات توجه إقتصادي وإستنكار وتنديد دول عديدة مع تهديد بالرد بالمثل لأي فرض للرسوم الجمركية على صادراتها للسوق الأمريكية.

ولكن كل هذا لم يبهر أو يؤثر في ترمب الذي أصر على سياسة فرض الرسوم الجمركية ليس بالمفرد بل بالجملة غير عابئ أو مكترث لما يقوله علماء الاقتصاد أو منتقدوه داخل أمريكا وخارجها.

دونالد ترمب يبدو أنه يقرأ الجانب الإيجابي للرسوم الجمركية وفي الحقيقة لها من الإيجابيات الكثير، الأمر الذي يغض الطرف عنه معارضوه ويشدد عليه مناصروه.

لا أظن ستنجح سياسة ترمب الجمركية في إغواء الشركات الأمريكية العاملة في الخارج وخصوصا الصين في العودة إلى أرض الوطن. قد تغادر هذه الشركات الصين ولكن في بحثها عن الأسواق والعمالة الرخيصة والضرائب المخفضة فإنها قد تعيد التخييم في دول مثل فيتنام أو تايلند أو أي دولة أخرى في جنوب شرق آسيا تقدم تسهيلات كبيرة وهي لم تشملها التعريفات الجمركية حتى الآن.

ولكن أظن يحق لترمب أن يتباهى – في الأقل حتى الآن – بالنتائج المثمرة لسياسته الجمركية حيث أدخلت مئات البلايين من الدولارات للخزينة ما قد يمكنه من خفض ضريبة الدخل وتمكين العاملين الأمريكيين من موازنة أي ارتفاع للأسعار، هذا إن حدث مثل ذلك وهو متوقع.

وهناك جانب يغفله في رأي المتواضع أغلب منتقدي السياسة الجمركية الحمائية التي يتبعها ترمب والتي في الأساس ترمي إلى تقديم حماية شبه كاملة للمصانع التي تنتتج مواد تدخل في تشيد وتحديث البنى التحتية، ومن هنا أتت التعريفة الجمركية الشاملة التي فرضها دون استثناء على واردات الفولاذ والصلب إلى الولايات المتحدة.

لا ينكر أن البنى التحتية في أمريكا – وهذا قد يصعق البعض – مهترئة مقارنة بمكانتها كأعظم دولة في العالم والإدارة تخطط لتحديث هذه البنى وتشييد مزيد منها والتوقعات هي نهضة اقتصادية ونمو اقتصاد سيجني ثماره العمال الأمريكيون وشركات الفولاذ والبناء الأمريكية التي كانت ولا تزال عماد الاقتصاد.

لا أظن أن هناك قوة ستوقف ترمب من التركيز على الحمائية من خلال التشبث بالرسوم الجمركية؛ اللهم إلا إذا حدث ما لا يحمد عقباه لسوق الأوراق المالية الأمريكية، وهذا ما سنتطرق إليه في الأسابيع المقبلة.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي