بعد غارة الرسوم الجمركية .. هل بدأ أهل الدولار يتبرؤون منه؟

بعد غارة الرسوم الجمركية .. هل بدأ أهل الدولار يتبرؤون منه؟

لا يزال الدولار الأمريكي يشكل حجر الزاوية في النظام المالي العالمي، إلا أن هيمنته المتواصلة باتت محل نزاع متزايد داخل الولايات المتحدة نفسها، وهو أمر يثير كثيرا من الدهشة.

فالمعارضة لتفوق الدولار لا تأتي من الصين الساعية إلى توسيع نفوذ عملتها الوطنية، ولا من دول اليورو ثاني اقوى العملات دوليا، بل من داخل الإدارة الأمريكية ذاتها، وعلى رأس المعترضين على قوة الدولار نائب الرئيس جيه دي فانس.

أسهمت التطورات الاقتصادية الأخيرة، خصوصا "غارة" الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس دونالد ترمب على التجارة الدولية، في تغذية الجدل الأمريكي الداخلي حول مستقبل الدولار ومكانته كعملة احتياطية عالمية.

ورغم تصريحات ترمب التي أكد فيها أن الدولار سيبقى العملة المرجعية الأولى في العالم، فإن إدارته تشهد نقاشا ساخنا حول ما إذا كان يتوجب تقليص الدور العالمي للدولار، أم السعي الحثيث للحفاظ على هيمنته.

ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، تراجعت حصة الدولار من احتياطات النقد الأجنبي العالمية إلى 57.4% في الربع الثالث من عام 2024، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1995، مقارنة بنسبة قاربت 70% في عام 2000.

في المقابل، حافظ اليورو على استقراره عند حدود 20%، بينما شهدت العملات غير التقليدية مثل الدولار الأسترالي والكندي والرنمينبي الصيني، نموا مطردا في حصصها مجتمعة.

الخبير المصرفي جيري جليدر يرى أن التفسيرات الشائعة التي تربط تراجع الدولار بتباطؤ اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة، أو بانخفاض تدفق رؤوس الأموال نحو الاقتصاد الأمريكي، ليست كافية.

برأيه، هناك أسباب أعمق، تتعلق بقناعة متزايدة داخل أوساط الإدارة الأمريكية، بأن مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية تحولت من ميزة إستراتيجية إلى عبء اقتصادي على الولايات المتحدة.

"هناك رؤية متجذرة في دوائر القرار ترى أن قوة الدولار المفرطة تشبه ظاهرة "المرض الهولندي" التي شهدتها هولندا في ستينيات القرن الماضي، عندما أدى الاعتماد المفرط على صادرات الغاز الطبيعي إلى ارتفاع العملة المحلية، ما قوض تنافسية بقية القطاعات، خصوصا الصناعة، حسبما قال جليدر لـ"الاقتصادية".

وبالفعل، فإن ارتفاع الطلب العالمي على الدولار كملاذ آمن، ساهم في رفع قيمته إلى مستويات مبالغ فيها أمام معظم العملات الأخرى، وهو ما جعل السلع الأجنبية أرخص ثمنا من نظيراتها الأمريكية. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة العمالة في القطاع الصناعي الأمريكي من 24% عام 1974 إلى 8% فقط في عام 2024.

لكن في الجهة المقابلة، لا تزال هناك أصوات قوية تدافع عن الحفاظ على هيمنة الدولار، يقودها وزير الخزانة سكوت بينست، أبرز المدافعين عن "دولار قوي".

وتشاركه الرؤية الدكتورة فيونا إيثان، أستاذة الاقتصاد الدولي، التي تحذر من أن أي تقويض لمكانة الدولار العالمية قد يدفع النظام النقدي الدولي نحو فوضى غير مسبوقة منذ أن فصل الرئيس نيكسون الدولار عن الذهب قبل نصف قرن.

وتقول إيثان لـ"الاقتصادية"، "إذا لم يعد بالإمكان الاعتماد على الدولار كعملة قابلة للتحويل الكلي أو كملاذ آمن في أوقات الأزمات، فإن النظام المالي العالمي سيدخل مرحلة من الغموض الشديد".

أضافت، أن "انهيار مفاجئ لمكانة الدولار قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكلفة الاقتراض الأمريكي، وسيفتح المجال أمام الصين لتسريع تدويل اليوان، وهو آخر ما ترغب به الولايات المتحدة، خاصة في ظل الإدارة الحالية".

في النهاية، يبقى العالم مترقبا لما ستسفر عنه النقاشات الساخنة في الأروقة الأمريكية حول مستقبل الدولار. وحتى تحسم هذه المعركة، سيظل الدولار العملة الأقوى والأكثر قبولا على مستوى العالم.

الأكثر قراءة