مصيدة الوظائف النسائية

تنص المادة الرابعة من نظام العمل على تطبيق قواعد الشريعة, بمنع وجود اختلاط بين العاملين والعاملات في المنشآت وأن تعمل المرأة بمعزل واستقلالية عن الرجال.
هذه المادة نجد الآن أنها لا تطبق كما كانت سابقا, بل نجد التفافا على تطبيقها, من خلال استثمار احتياج النساء إلى العمل والبحث عن الوظائف, وكما ينشر في الصحف بين وقت وآخر يقابل هذا الاحتياج بابتزاز من قبل المكاتب التي تدعي أنها توفر وظائف للنساء. وكما أطلق البعض عليها (مصيدة الوظائف النسائية) فقد أصبحت هذه المكاتب التي تعلن عن وظائف للنساء مصيدة لكثير ممن يسمونهم لصوص الأعراض, الذين لا يفرقون بين النساء الشريفات الراغبات في العمل الشريف وفق الهدي الرباني بعيدا عن اختلاطهن بالرجال, وبين البعض من اللاتي يجدن العمل وسيلة لاقتناص الرجل أيا كان!
الضحايا من النساء والفتيات لهذه المكائد وليس المكاتب, تتمثل في عديد من المواقف التي ربما تختلف في الآلية ولكنها تتفق في مستوى الدناءة التي تجمع هؤلاء الأنذال من الرجال الذين يريدون أن يحصلوا على رغباتهم الدنيئة مثلهم من خلال التلويح بالوظائف النسائية.
كما أعلن فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة حائل - منذ فترة - أنه تمكن من القبض على مقيم من جنسية عربية يعمل مسؤولا عن الموارد البشرية في شركة متعهدة بالتموين الغذائي للمستشفى في إحدى الشركات المشغلة لأحد المستشفيات الحكومية في المنطقة, وذلك بعد أن استغل الظروف المادية وحاجة المتقدمات إلى الوظائف, حيث اشترط لتوظيفهن ربط علاقة محرمة لإشباع رغباته الجنسية والمادية, وكما أوضح المصدر أنه استغل حاجة بعض طالبات الوظائف اللاتي تقدمن بطلباتهن إليه, واستغلهن جنسيا وماديا ومارس القوادة عليهن مقابل مبالغ مالية!
بفضل الله أطاحت الهيئة بالمقيم وأحد زبائنه وهما متلبسان بالجرم المشهود حيث أركبا فتاتين تقدمتا لطلب الوظيفة من إحدى الأسواق الشهيرة في حائل من أجل ممارسة الرذيلة معهما تمهيدا لقبول طلب التوظيف في الشركة.
حالة أخرى حدثت في الرياض, حيث تمكن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من القبض على شخص درج على انتحال شخصية مسؤول في إحدى الشركات للتغرير بالفتيات تحت وعود بالتوظيف. وتأتي تفاصيل القضية إثر قيام مواطن بانتحال شخصية مدير شؤون الموظفين في إحدى شركات تنمية الموارد, وعرض خدماته على الفتيات وفق نماذج تقوم الفتاة بتعبئتها وترفق بها أربع صور شخصية لها منها اثنتان مكشوفتا الرأس والأخريان محجبتان, وأرقاماً للاتصال بها, ووصفاً دقيقاً لمكان سكنها, وصورة الهوية الشخصية, وغيرها من المعلومات التي يوهم بها أنه يستطيع تحقيق رغبة الفتاة في العمل، ومن ثم يطلب منهن متابعة الاتصال به حتى يُصدر لهن قرار تعيين وهمي براتب مغرٍ, ومن ثم يقوم بابتزازهن بما لديه من صور ومعلومات لغرض الاستجابة لرغباته السيئة.
وتقدمت مجموعة من الفتيات بشكاوى ضده, فتم التحري عن القضية التي تبين صحتها, وتم القبض عليه حيث ضبط بحوزته مجموعة من السير الذاتية لفتيات وصور شخصية لهن, كما تبين أنه يستغل حاجة بعضهن إلى العمل بابتزازهن تحت وعود بالتوظيف.
وأكد المتحدث الرسمي باسم فرع الرئاسة العامة في منطقة الرياض صحة الواقعة, وحذر في الوقت نفسه أفراد المجتمع عامة, والفتيات خاصة من الاستجابة لأي عروض أو وعود مشبوهة وعدم الانسياق وراءها, وأنه في حال الرغبة في العمل فإن هناك طرقاً ووسائل نظامية تضمن سلامة الإجراء وعدم تعرض أي شخص للابتزاز أو غيره.
هناك حالات أخرى قامت بها نساء لاستغلال حاجة الفتيات إلى الوظائف, وقمن بالأعمال ذاتها للتعريض بالباحثات عن الوظائف أو تهديدهن وابتزازهن بما لديهن من صور أو معلومات عن هؤلاء الباحثات عن الوظائف.
هذا في مجال البحث عن الوظائف, وهي أحداث تعد مؤشرا سلبيا استغل هؤلاء الأنذال ما هو متاح من إمكانية إدارة الرجال بعض مكاتب تنمية الموارد البشرية في عديد من الشركات, وأن تكن هؤلاء الضحايا عفيفات راغبات في التوظيف.
وزارة الداخلية تتابع هذه القضايا وتضرب بيد من حديد لمنع انتشارها ولكنها ستظل تحدث طالما أن هناك مرونة في عمليات توظيف النساء في شركات يعمل فيها رجال, أو تسند إليهم عمليات ما يقال إنها تنمية موارد بشرية ممن لا يخافون الله ولا يخشونه سرا ولا علنا.
هناك أيضا وسائل أخرى لتحقيق مزيد من الكسب استثمارا لابتزاز النساء, ما نشر منذ فترة على القبض على امرأة عربية تبلغ من العمر 18 سنة مرافقة لوالدها تقوم بالنشل وسرقة الشنط النسائية والجوالات في إحدى الأسواق الكبيرة في مدينة بريدة، وكذلك ابتزاز النساء بالصور النسائية الموجودة في الجوالات المسروقة بمبالغ مالية أو التهديد بنشرها عبر الإنترنت، بعد التنسيق معها حيال تسليم الذاكرة والجوال في مقابل 1500 ريال. تم القبض عليها من قبل الجهات الأمنية مباشرة إثر تفاوضها مع إحدى المتعرضات للسرقة؛ حيث تم العثور على الذاكرة والجوال بحوزتها، وباشرت هيئة التحقيق القضية بحكم اختصاصها.
هل ستتوقف هذه الأحداث؟ هل سيتحول المجتمع إلى مجتمع خال منها؟
هل سيصبح جميع الرجال ملائكة؟ لا يستغلون النساء ولا يبتزونهن, ويتعاملون معهن على أنهن أخوات أو بنات؟ وكأن خالقهم لا يعلم ما في دواخلهم من نوازع, ولهذا أمرهم بغض البصر وأمر النساء بالحجاب وعدم الاختلاط بالرجال من غير المحارم.
بالطبع لا, وإلا فإننا نتحدث عن مدينة مثالية, وعن رجال ملائكة لم يوجدوا حتى في عصر الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولا في عهود الصحابة والتابعين, حيث يستشعر المسلم بأن خطأه سيؤذي الجميع ويهز الشبكة الاجتماعية برمتها, ويحدث خللا في قوة تماسكها. كما هو نموذج المرأة التي ارتكبت جريمة الزنا وقدمت للرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ باحثة عن العقاب حتى تتطهر, لأنها تعلم علم اليقين أن هذا العمل الذي ارتكبته من الكبائر, ورغم أنه عمل فردي إلا أنه سيحدث ثقبا في النسيج الأخلاقي والقيمي في المجتمع.
من تابع ما نشر سابقا في إحدى الصحف عن شكاوى من نساء عاملات في مجالات فيها اختلاط بالرجال, سيجد ما ذكرته إحدى الإعلاميات من جنسية عربية أنها قدمت استقالتها من إحدى القنوات التي كانت تعمل فيها نتيجة تعرضها لمضايقات من زملائها وأنها لم تستطع نهائياً تحمل ما يجري في القناة التي كانت تعمل فيها في ذلك الوقت، وكلما أرادت دخول قناة معينة وجدت نظرات الإعجاب والأرقام والمكالمات التي تنهال عليها يومياً ولم تجد مخرجاً غير أن تخرج نهائياً بعيدا عن التلفزيون نتيجة ما تعرضتُ له, داعية إلى إيجاد رادع قوي يمنع الشباب المعاكسين والمتحرشين وعقابهم كيلا يعودوا إلى ممارسة هذا العمل مرةً أخرى.
وتقول (ف ن) موظفة في أحد المصانع: التحقت بالعمل في مصنع في جدة وكنت فرحة بالوظيفة رغم الاختلاط واعتراض أهلي، وبعد فترة فوجئت بمدير المصنع يطلب مني الحضور إلى مكتبه وأن أجلس على الكرسي الذي أمامه لتناول القهوة ورفضت ذلك رفضا قاطعا وأخبرته أنني جئت للعمل, ولكنه قال لي إن حضرت إلى مكتبي يوميا سأعينك رئيسة، فرفضت ذلك لأن هدفي توفير لقمة العيش الشريف لوالدي الكبيرين في السن وأخواتي, وبعد ذلك قام بطي قيدي!
**عودة إلى هذه المصائب التي مني بها مجتمعنا أخيرا من جراء التوسع في مجالات اختلاط الرجال بالنساء تحت منظومة جديدة أصبحت تتردد كثيرا إعلاميا تتمثل في أن الاختلاط ليس محرما, وإنما خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه هي المحرمة! متجاهلين التشريع الرباني الذي يوضح آلية التعامل بين الطرفين في مواقع عديدة من القرآن الكريم.
هذه المصائب تفرض علينا إعادة النظر في عدم التوسع في هذه المجالات, ولدينا تجارب المجتمعات الأخرى القريبة منا التي ينتشر فيها إيذاء النساء وابتزازهن, وما فيها من تجارب مريرة تدفع النساء فيها الضريبة بالدرجة الأولى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي