البنوك الإسلامية أفضل ربحا وكفاءة من نظيراتها التقليدية

يعد التفاعل بين الآراء البشرية المختلفة أمرا واقعا وذا تطور مستمر منذ بزوغ التاريخ. وتستند الآراء البشرية عادة إلى معطيات كمية أو نوعية لتدعم نفسها في مواجهة الآراء الأخرى. وفي الوقت الذي يعد فيه الرأي النوعي محلاً للأخذ والرد، يبرز الرأي الكمي المدعم بالأرقام على أنه الأقرب للتصديق مع ضرورة التحقق من الأرقام المستشهد بها. وما دام الأمر متعلقا بالأرقام، تظهر البيانات المالية لـ 50 بنكا تجاريا خليجيا منها 15 إسلاميا و35 تقليديا اشتملت عليها قاعدة بيانات شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية - الكويت أن أداء تلك البنوك مجتمعة تأثر بالأزمة المالية العالمية في عام 2008، وبشكل أدق خلال الربع الرابع من عام 2008.وقد انخفض العائد على حقوق المساهمين لتلك البنوك مجتمعة من 20 في المائة في عام 2007 إلى 17 في المائة في نهاية عام 2008. ورغم أن الاتجاه النزولي شمل الجميع في نتائج 2008، إلا أن البنوك الإسلامية بقيت الأكثر ربحاً فحققت مجتمعة عائدا على حقوق مساهميها بلغ 17 في المائة في الوقت الذي كان فيه هذا العائد على حقوق مساهمي نظيراتها التقليدية 16 في المائة. وعند الأخذ في الحسبان أن إجمالي أصول البنوك الإسلامية الـ 15 شكل ما نسبته 20 في المائة من إجمالي أصول البنوك الـ 50 محل الدراسة، فإنه من المنطق أن تتم مقارنة بعض المؤشرات الأخرى التي تتفوق فيها البنوك الإسلامية (كنسبة) على نظيراتها التقليدية. فإجمالي دخل البنوك الإسلامية شكل ما نسبته 33 في المائة من إجمالي دخل البنوك الـ 50 محل الدراسة، كما أن حقوق مساهميها شكلت ما نسبته 26 في المائة. وهذه الفوارق يجب أن ينظر لها بإيجابية إذا ما أخذت نسبة الـ 20 في المائة مساهمة البنوك الإسلامية في إجمالي الأصول. ومن ناحية أخرى، فإن العائد على إجمالي الموجودات في البنوك الإسلامية ظل أعلى من نظيره في البنوك التقليدية فبلغ 2.7 في المائة مقابل 1.9 في المائة في عام 2008. ربما يكون من غير الإنصاف أن تتم مقارنة نتائج 15 بنكا إسلاميا بنتائج 35 بنكا تقليديا، لكن من الإنصاف أن تتم مقارنة أداء البنوك الإسلامية بصناعة البنوك التجارية على مستوى الخليج العربي. وحتى في هذا السياق، ظلت مؤشرات البنوك الإسلامية أعلى من متوسطات مؤشرات الأداء للبنوك التجارية الخليجية ككل. وهذا هو ما يمكن الاستناد إليه بشكل أساسي.وعلى الصعيد التاريخي، فإن البيانات السنوية لفترات طويلة ظلت تشير إلى تفوق ملحوظ وبفوارق شاسعة في أداء البنوك الإسلامية على نظيراتها التقليدية في الخليج، وذلك من خلال النظر إلى مؤشرات مثل العائد على حقوق المساهمين والعائد على إجمالي الموجودات ومعدل دوران الموجودات وحتى هامش صافي الربح وغيرها من مؤشرات الكفاءة. لكن نتائج عام 2008 كانت استثنائية للبنوك الإسلامية التي تفرض عليها طبيعتها المتوافقة مع الشريعة أن تحتفظ بأصول عينية ومالية في ميزانياتها، ما يجعلها تتعرض لمخاطر انخفاض القيمة السوقية بشكل أكبر مما تتعرض له البنوك التقليدية. ونتيجة لذلك وجهت البنوك الإسلامية جزءا ليس باليسير من صافي دخلها نحو بنود مخصصات لمواجهة ذلك النوع من المخاطر الذي تنفرد فيه عن البنوك التقليدية، ناهيك عن مخاطر عدم السداد التي كانت عامة على البنوك التقليدية والإسلامية.وعلى الرغم من أن نسبة نمو مخصصات البنوك الإسلامية كانت مرتفعة (كمعدل نمو) بالمقارنة مع مخصصات البنوك التقليدية، إلا أن التفوق الربحي كان ولا يزال يصب في مصلحة البنوك الإسلامية متمثلاً بمدى القدرة على تعظيم حقوق المساهمين.ومن ناحية أخرى، فإن أخذ المخصصات ما هو إلا إجراء احترازي لمواجهة مخاطر قد لا تتحقق وهو لا يعني بالضرورة تحقيق مخاسر، بل يعني أنه من المحتمل أن تتعدل القيمة السوقية للأصول التي أخذت عليها تلك المخصصات، إضافة إلى التوصل إلى حلول مع العملاء المعسرين من أجل السداد، وهو ما يفضي بالضرورة إلى تحويل تلك المخصصات إلى جانب الأرباح في المستقبل.وعلنا نتطرق إلى تحليل نظري يوضح ولو بشكل يسير سبب تحمل البنوك الإسلامية لمخاطر بسبب احتفاظها بالأصول العينية في ميزانياتها. إننا هنا يجب أن ننظر إلى قيمة مضافة يقدمها التمويل الإسلامي لعملائه وهو توزيع المخاطر. فالبنوك التقليدية التي مولت عملاءها لشراء عقارات على سبيل المثال، لم تحتفظ بملكية تلك العقارات ببساطة لأنها تمنح قروضا مع تحويل كافة المخاطر إلى العميل الذي قام بشراء العقار، ولذلك لم تتعرض لمخاطر انخفاض القيمة السوقية. أما في التمويل الإسلامي، الذي يستند إلى مبدأ الغنم بالغرم، أي الحصول على الربح مقابل تحمل المخاطر، فهو يحقق مبدأ العدل بين أطراف التمويل بالإجارة المنتهية بالتمليك على سبيل المثال. وهذا من الممكن أن يكون سببا وجيها نحو استمرارية تفضيل العملاء التعامل مع البنوك الإسلامية فضلاً عن مبدأ الحلال والحرام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي