من آبار البترول إلى مجمع الطاقة الشمسية في العيينة

رغم أن وكالة الطاقة الدولية طالبت المجتمع الدولي مراراً وتكراراً بضرورة زيادة الاستثمار في البحث عن بدائل للطاقة التقليدية، وبالتحديد حذّرت الوكالة المجتمع الدولي من احتمالات انخفاض الكميات المتاحة من البترول بسبب المعدلات الهائلة في الاستهلاك العالمي، إلاّ أن المجتمع الدولي ضرب بتحذيرات الوكالة الدولية عرض الحائط علماً بأن معدلات الاستهلاك أخذت ترتفع بشكل ينذر باحتمالات الدخول في عجز في الكميات المتاحة من موارد الطاقة.
وإذا كنا في الخليج غير عابئين بالبحث عن طاقة بديلة، لأن النظرة السطحية تقول إننا المستفيد الأول من زيادة الطلب على البترول، لأننا نحقق إيرادات هائلة من هذا الذهب الأسود، فإن الإحصائيات تقول إن الاستهلاك الغزير للبترول سيهبط بالاحتياطيات العالمية إلى مستويات متدنية، وإنه ـ عندئذ ـ لا مفر من البحث عن الطاقة البديلة.
قبل أكثر من 30 عاماً أدركت وزارة البترول والثروة المعدنية بأن البترول ـ عاجلاً أم آجلاً ـ سوف يتجه إلى النضوب، وإنه حان الوقت للبحث عن مورد بديل للطاقة، وبعد دراسات عميقة توصلت الوزارة إلى قناعة كاملة بأن الطاقة البديلة الواعدة هي الطاقة الشمسية.
ومن نعم الله علينا أن مخزون المملكة العربية السعودية من الطاقة الشمسية يفوق مخزون أي دولة أخرى في العالم، ولهذا يمكننا التأكيد بأن الطاقة الشمسية هي إحدى الثروات الطبيعية التي أغنى بها الله سبحانه وتعالى هذه البلاد الخيرة.
ورغم أن أسعار البترول كانت يومذاك تتجه نحو الارتفاع، إلاّ أن وزارة البترول والثورة المعدنية كانت حريصة على تنمية موارد الطاقة الشمسية جنباً إلى جنب مع الموارد البترولية، ويومذاك أنشأت المملكة العربية السعودية المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا (الذي أصبح اسمه فيما بعد مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية)، ودعمته بالمال والرجال، ووفرت له أكفأ الكفاءات، وكان في مقدمة الكفاءات طيب الذكر معالي الدكتور رضا عبيد الذي ترأس المركز واستمر الاهتمام بهذا المركز يتواصل عاماً بعد عام حتى توصلت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى بناء ما كان يعرف بالمجمع الشمسي لإنتاج الطاقة الكهربائية في القرية الشمسية التي أقيمت في محيط ثلاث قرى هي العيينة والجبيلة والهجرة التي كانت تقع في شمال العاصمة الرياض، ولكنها الآن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العاصمة الكبرى الرياض.
وواصلت المملكة جهودها الرامية إلى تطوير مواردها من الطاقة الشمسية حتى بلغت مكانة متقدمة في مجال تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وحققت نجاحات لا تقل عن مستوى ما تحقق لدى بعض الدول المتقدمة، ولذلك كانت دول أوروبية عديدة تنظر إلى المملكة بشيء كبير من التقدير بعد أن وقفت على مدى التقدم الذي حققته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في مجال استخدام الطاقة الشمسية في تنفيذ بعض برامج التنمية وبالذات في مجال إنتاج الكهرباء.
وأذكر أن مدينة الملك عبد العزيز نظمت ندوة عالمية في قرية العيينة إحدى القرى الثلاث التي يتكون منها المجمع الشمسي، وكان الهدف من الندوة العالمية هو تقييم نتائج التجربة السعودية في مجال استخدامات الطاقة الشمسية، وحضر الندوة كبار العلماء من كل أنحاء العالم، ولقد أجمع العلماء الذين حضروا من أوروبا وأمريكا على أن النظام الذي توصلت إليه المملكة في القرية الشمسية يعد من أوائل الأنظمة الشمسية على مستوى العالم، وأكدوا خلال الندوة أنه لم يتم إنشاء مشروع يماثل هذه القرية من حيث الحجم والنوعية التي ترقى إلى مستوى ما وصل إليه الغرب من تقدم في مجال الطاقة الشمسية.
وإذا كانت أزمة الطاقة في الثمانينيات قد جاءت لأسباب سياسية وزالت مع زوال أسبابها، فإن أزمة الطاقة في المستقبل ستجيء لأسباب طبيعية واقتصادية وربما عسكرية، لأن آبار البترول في كثير من الدول المنتجة قد بلغت مرحلة النضوب الفعلي مثل إندونيسيا وبحر الشمال والنرويج، بل إن بعض آبار البترول العملاقة في الخليج بدأت تشيخ وتجف، كما أن بعض الدول الأخرى تقترب من النضوب مثل مصر والبحرين وقطر، إضافة إلى أن الاكتشافات الجديدة ضنينة ولم تعد بالحجم الذي كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات، في مقابل ذلك فإن معدلات استهلاك البترول تتزايد وتتعاظم، ولعل ما يزيد من احتمالات نشوب أزمة محتملة في الطاقة هو المناخ السياسي المتوتر بين إيران، التي تصر على تنفيذ برنامجها النووي والغرب الذي يهدد إيران بضربة عسكرية استباقية، في مقابل ذلك جاهر الرئيس الإيراني بأن إيران ستتوقف عن بيع بترولها إذا تعرضت لضربة عسكرية من الغرب.
وهذا يؤكد أن أزمة الطاقة أزمة حقيقية وجادة وحتمية، وأن البحث عن مصادر بديلة للطاقة لم يعد مسألة خيار مطروح نأخذ به أو لا نأخذ به، بل هو خيار يجب أن نأخذ به بأمر القوة الجبرية.
وكانت المملكة إبان أزمة أسعار البترول التي شهدها العالم عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 قد أولت اهتماماً كبيراً لمشاريع الطاقة الشمسية رغم أن أسعار البترول كانت في ارتفاع كبير، وإذا كانت خلايا الطاقة الشمسية في الماضي باهظة الثمن وكان من الصعب الحصول عليها.. إلاّ أنه الآن كثر إنتاج الخلايا وحدثت ابتكارات جديدة وحديثة، ما أدى إلى انخفاض أسعارها وأدى إلى التوسع في استخدامها سواء في الاتصالات اللاسلكية أو في إنتاج الطاقة الكهربائية لتزويد القرى النائية، كما استخدمت الطاقة الشمسية في الساعات وفي الآلات الحاسبة، وهناك في حياتنا العادية توسع كبير في استخدام الطاقة الشمسية بعد التطوير في إنتاج الأنظمة الدقيقة وثبوت جدواها اقتصادياً.
ولقد ثبت من البحوث التي أجرتها مدينة الملك عبد العزيز أن الطاقة الشمسية من أفضل أنواع الطاقة على وجه الأرض لعدة اعتبارات، فهي طاقة نظيفة لا تحدث تلويثاً عند استخدامها، وهي طاقة مستمرة وباقية ما دامت الحياة، وهي طاقة مجانية ومتوافرة في جميع الأراضي التي تسقط عليها أشعة الشمس، كما أنها طاقة عالية الحرارة، أماّ إذا قارنا البترول مع الطاقة الشمسية فيكفي القول إن البترول أصبح اليوم مكلفاً وغالي الثمن، إضافة إلى أنه قابل للنضوب وملوث للبيئة.
وفي الختام أستغرب وأتساءل: لماذا انقطع حبل الاهتمام بتطوير الطاقة الشمسية؟ ولماذا خف الحماس الذي كان سائدا في أجواء البحث عن الطاقة الشمسية بهدف استغلالها لأغراض التنمية المستدامة في مجالات كثيرة منها توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه المالحة وتطوير وتنمية الزراعة المحمية واستخدامها ـ على نطاق واسع ـ في جميع مجالات الحياة؟
وأتصور أن الظروف الآن لاستغلال الطاقة الشمسية وتطويرها أفضل مما كانت عليه قبل أكثر من 30 عاماً، إذ إن العلم حقق تقدماً مذهلاً في مجالات الحاسبات وتوصل إلى معجزة الاتصالات عبر الإنترنت والفضائيات بكل أشكالها وألوانها التي يمكن أن تقدم لأبحاث الطاقة الشمسية مزيدا من المساهمات في مجالات التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي