نريد من قطاع الأعمال مسؤولية اجتماعية حقيقية

برز في السنوات المتأخرة مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكل متنام، حيث تقوم الكثير من المؤسسات والشركات ورجال الأعمال بدعمهم للمجتمع بطرق شتى ويمارسون الإعلان عن هذه الأعمال بوسائل مختلفة ويتفاخرون بذلك، في حين يقوم آخرون بجهود مماثلة أو تزيد ولكنهم تعاملوا معها كصدقة السر، ونشكر الفئتين وفي كلتيهما خير وذلك مصداقاً لقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز ''إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم''، وإن كنت شخصياً من مؤيدي نشر مساهمات قطاع الأعمال في المسؤولية الاجتماعية الخيرة وإظهارها للغير لأن ذلك يحقق ميزتين أساسيتين الأولى المنافسة بين قطاعات الأعمال في فعل الخير، والثانية الإبداع في هذه المشاريع.
وفي هذا المقال لست بصدد حصر هذه المساهمات حيث هناك العديد من المؤسسات الخيرية وغير الربحية والتي أسسها رجال الأعمال، كما أعرف ويعرف القراء الكرام الكثير من الممارسات في المسؤولية الاجتماعية غير معلنة ولا يحرص أصحابها على نشرها أو الترويج لها، في حين يصنع البعض من الحبة قبة ومن القطرة بقعة، وهؤلاء يصرفون على الإعلانات والإعلام أكثر مما يصرف على المشاريع نفسها، ولا يخفى أيضاً أن البعض يخلط أموال الزكاة بمشاريع المسؤولية الاجتماعية فلا تعرف ''عباس من دباس'' وتختلط فيها الفريضة بالنافلة.
وقد أحسنت مؤسسة الملك خالد ''رحمه الله'' باستحداث جائزة الملك خالد للمسؤولية الاجتماعية، وبذلك تسن المؤسسة سنة حسنة بمكافأة المحسن وبتحفيز مؤسسات المجتمع على التعاضد واللحمة والتكاتف كالجسد الواحد.
وقد كان المجتمع ولا يزال وسيستمر يطالب القطاع الخاص بمزيد من مشاريع المسؤولية الاجتماعية، حتى إنه قد يوصف من لا يسهم في تنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية فرداً كان أو مؤسسة بالجشع والطمع وحب الذات، بغض النظر عن قيام هذه المؤسسات بدورها التي أسست من أجله، حتى لو قام بعضها باحتكار السوق أو المغالاة في التسعير أو الغش أو التدليس.. إلخ.
غني عن القول أننا لا يمكن أن نطلب من الشخص تأدية النافلة وهو لا يؤدي الفرض أصلاً، أو نطالب الموظف بالعمل الإضافي وهو لا يحضر الدوام الأصلي، وينطبق الأمر نفسه على المسؤولية الاجتماعية، حيث يجب مطالبة القطاع الخاص أولاً بتأدية واجبه الأساسي ثم ننظر في مساهماته الاجتماعية، ويحق لنا أن نتساءل هل من المهم أن تسهم بقالة في تدريب المواطنين أم أن الأهم أن توفر لهم السلع بأسعار معقولة وبطريقة صحية؟! وهل من المهم أن يساهم البنك في مسؤولياته الاجتماعية أم الأهم أن يقدم القروض للمواطنين بتكاليف معقولة؟! وهل المهم أن يعالج المستشفى 100 مريض مجاناً أم الأهم أن يقدم خدماته لآلاف المواطنين بأسعار منافسة؟! وهل من المهم أن يوظف المصنع مئات السعوديين أم الأهم أن يقدم منتجات عالية الجودة منافسة لبديلاتها المستوردة؟! أخيراً.. هل من المهم أن تقدم إحدى شركات الاتصالات تبرعاتها يمنة ويسرة لمصلحة المجتمع أم أن الأهم أن تقدم خدمات منافسة واتصالات غير متقطعة وفواتير صحيحة وأسعاراً عادلة؟! كم أود لو أن جائزة الملك خالد للمسؤولية الاجتماعية عند تقييمها للجهات المرشحة للجائزة مع تركيزها على المساهمة في المسؤولية الاجتماعية توجه انتباهها وتقيم فعالية هذه الجهات في تقديم خدماتها، مع التركيز على خمسة عوامل رئيسة:
- جودة الخدمات التي تقدمها الجهة المرشحة مقارنة بالقطاع نفسه.
- معقولية الأسعار (عدم الجشع) في تسعير خدماته.
- التحلي بأخلاقيات الصناعة.
- الشفافية في التعامل مع السوق (خاصة للشركات المدرجة في السوق).
- العمل بصمت، وأن تكون ''قرقعة'' مشاريع المسؤولية الاجتماعية في حدها الأدنى.
ختاماً.. سأرفع عقالي لكل مؤسسة، وأقبل رأس مسؤولها الأول، ليس عند حصوله على جائزة المسؤولية الاجتماعية، ولكن عند قيامه بعمله على الوجه المطلوب وهو يخاف الله، نريد عملا مخلصا ليس لمصلحة الشركة فقط ولكن لمصلحة المتعاملين معها وخاصة من حيث مستوى الخدمات وأسعار تقديم الخدمة ومهنية واحترافية الإدارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي