ماذا كان سيحدث خلال الأزمة المالية لو أن "اليورو" لم يكن موجودا؟
تفادي تلك الأزمة النقدية كما سقنا في المقدمة، هي النتيجة التي كان مؤسسو منطقة اليورو يرغبون في تفاديها. ونجحوا في ذلك. ولكن، إذا لم يكن بالإمكان تعديل سعر الصرف، فيجب تعديل شيء آخر.
ولكن»الشيء الآخر» هو أن اقتصادات البلدان الأعضاء الهامشية في منطقة اليورو، سجينة انكماش تنافسي ضد ألمانيا، أهم مصدر في العالم لكل الصناعات عالية الجودة. وأنا شخصياً أتمنى لها الحظ الجيد في هذا الصدد.
منطقة اليورو مهمة. واقتصادها بحجم اقتصاد الولايات المتحدة تقريباً. وهو أكبر بثلاثة أضعاف من اقتصاد اليابان أو الصين. ولغاية الآن، فإنه اجتاز امتحانه المبدئي. ورغم ذلك، بلغت الذورة نحو التراجع للاقتصاد الأمريكي 3.8 في المائة فقط (الربع الثاني من عام 2008 إلى الربع الثاني من عام 2009)، بينما كانت ذروة منطقة اليورو 5.1 في المائة (الربع الأول من عام 2008 إلى الربع الثاني من عام 2009).
إن الأمر الأكثر أهمية من الأداء الكلي لمنطقة اليورو هو ما يجري داخل المنطقة. ويجب أن تكون نقطة البداية نمط العجوزات والفوائض في الحساب الجاري. في عام 2006، كانت المنطقة في ميزان صعب. وداخل المنطقة، على أية حال، كانت ألمانيا ذات فائض ضخم يبلغ 190 مليار دولار (6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وهولندا بفائض يبلغ 64 مليار دولار (9.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). وكانت في الطرف المقابل من الطيف البلدان الرئيسية المستوردة، والتي كانت إسبانيا أهمها، حيث كانت تعاني من عجز ضخم يبلغ 111 مليار دولار (9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).
جادل الكثيرون بالقول إنه ضمن أي اتحاد للعملة، فإن عجوزات الحساب الجاري لا تعود مهمة مما هي عليه بين يورك شاير ولانكشاير. ولكنهم مخطئون، فالبلدان التي تعاني من عجز تمثل صافي بائعي المطالب إلى باقي بلدان العالم.
ماذا سيحدث لو أن الأشخاص في باقي العالم يبيعون هذه المطالب أو يسحبون قروضهم؟ الإجابة هي تراجع الاقتصاد. ولكن ضمن حدود بلد ما، بإمكان الناس الانتقال بسهولة نسبياً إلى منطقة آخرى. وهذا في العادة أصعب بكثير عبر الحدود. وهناك اختلاف آخر أكبر: لا تستطيع الحكومة الإسبانية الاستجابة إلى شكاوى العاطلين عن العمل الإسبان بالمجادلة بالقول: إن الأمور ليست بذلك السوء في أماكن أخرى من منطقة اليورو. عليها أن تقدم حلاً وطنياً، والسؤال المطروح ما هو ذلك الحل.
قبل الأزمة، كان لدى البلدان الهامشية فائض من الطلب على العرض، بينما كانت البلدان الأساسية في وضع معاكس. وحيث كانت المراكز المالية متشابهة، توجب انحراف إنماط الطلب الخاص: في عام 2006، كانت القطاعات الخاصة في اليونان، وإيرلندا، والبرتغال، وإسبانيا تنفق أكثر بكثير من الدخل، بينما كانت القطاعات الخاصة في ألمانيا وهولندا تنفق أقل بكثير منه.
ثم جاء الانهيار. وبشكل حتمي، ضرب القطاعات الخاصة الأكثر امتداداً أقسى ما يكون. وبين عامي 2006 و2009، حولت القطاعات الخاصة في إيرلندا، وإسبانيا، واليونان أرصدتها بين الدخل والإنفاق بنسبة 16 و15 و10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. وكان التعديل متوقعاً تماماً كذلك: كان تدهوراً كبيراً في المركز المالي. ويؤكد هذا على نقطة يبدو الاقتصاديون رافضين للأخذ بها بشكل يدعو إلى الدهشة: إن المركز المالي غير مستدام، إذا كان تمويل القطاع الخاص غير مستدام. وفي هذه البلدان، كان الأمر الأخير هو الحاصل تماماً، بعواقب وخيمة، كما أوضحت الأزمة.
في أول عقد من وجوده، انتهى الأمر بالاختلالات داخل منطقة اليورو (والفقاعات المرتبطة بها)، بإحداث دمار هائل في ائتمان القطاعات الخاصة للاقتصادات المزدهرة. ولكنها الآن تضر بائتمان قطاعاتها العامة. وفي حين أن توزيعات المخاطر انخفضت في الأسواق المالية، إلا أن تلك التي على الديون السيادية في منطقة اليورو تعتبر استثناء مهماً.
وارتفعت الفروق على السندات الألمانية لمدة عشر سنوات بشكل صاروخي ،عما كان يعتبر مستويات تافهة: في حالة اليونان، وصلت الفروق حديثاً إلى 274 نقطة أساس.
جادل الراحل تشارلز كيندلبيرغر من معهد ماساشوستس للتقنية، بالقول إن الاقتصاد المفتوح يقتضي الهيمنة. وأحد أدواره هو أن يكون منفق ومقترض الملجأ الأخير خلال أي أزمة. والمهيمن بناءً على ذلك هو البلد الذي لديه الائتمان الأمثل. وفي منطقة اليورو، فإن هذا البلد هو ألمانيا. غير أن ألمانيا مقرضة، وليست مقترضة، ومن المؤكد أن تبقى كذلك. وفي هذه الحالة، على المقترضين الأضعف أن يتولوا الدور، بنتائج قاسية على تصنيفاتهم الائتمانية.
كيف يترك هذا الأمر البلدان الهامشية في يومنا هذا؟ الإجابة هي في انكماش هيكلي. وفي مرحلة ما، فإن عليها أن تخفض العجوزات المالية. وبدون وجود تعديلات نقدية أو على سعر الصرف، يبدو من المؤكد أن يزيد ذلك من سوء الانكماش الذي سببه الانهيار فعلياً، في إنفاق القطاع الخاص فيها الذي أشعلته الفقاعة. والأسوأ من ذلك، في سنوات الطفرة، خسرت تلك البلدان تنافسيتها داخل منطقة اليورو. وكان ذلك متأصلاً في النظام كذلك. وكانت معدلات الفائدة التي حددها البنك المركزي الأوروبي، والتي كانت تهدف إلى موازنة العرض والطلب في المنطقة متدنية للغاية بالنسبة للبلدان التي أشعلتها الفقاعة.
وحيث كان التضخم في قطاعات تنتج سلعاً غير قابلة للتداول عالياً نسبياً، كانت معدلات الفائدة الحقيقية متدنية نسبياً كذلك في هذه البلدان.
وساهم فقدان التنافسية الخارجية، والطلب المحلي القوي في توسيع العجوزات الخارجية. وولدت هذه الطلب اللازم من جانب البلدان الأساسية التي لديها طاقة تشغيلية زائدة. ولرش الملح على الجرح، حيث إن البلدان الأساسية عالية التنافسية عالمياً، ولدى منطقة اليورو مركز خارجي قوي، وعملة سليمة، ارتفعت قيمة اليورو ذاته.
من شأن هذا أن يترك البلدان الهامشية في مصيدة: لا يمكنها أن تولد على الفور فائضاً خارجياً، ولا يمكنها أن تبدأ من جديد بسهولة اقتراض القطاع الخاص، ولا يمكنها أن تبقي بسهولة العجوزات المالية الحالية.
وسوف تكون الهجرة الجماعية أمراً محتملاً، ولكنها ليست توصية بالتأكيد. الهجرة الجماعية للأجانب الأثرياء، للعيش في عقارات رخيصة الثمن الآن، سوف يكون أفضل بكثير.
ومع ذلك، في أسوأ الأحوال، ربما تكون هناك حاجة إلى هبوط مطول لإحداث تخفيض في الأسعار الاسمية والأجور. ويبدو أن إيرلندا قبلت مثل ذلك المستقبل، بينما رفضته إسبانيا واليونان. وعلاوة على ذلك، فإن البلد المتضرر سوف يعاني كذلك من انكماش في الديون: مع هبوط الأسعار الاسمية والأجور، فإن عبء الدين الفعلي الذي يهيمن عليه اليورو سوف يزداد. وسوف تفرض موجة من التخلف عن السداد ــ من جانب القطاع الخاص، وحتى العام ــ تهديداً تماماً.
إن الأزمة في بلدان منطقة اليورو الهامشية ليست وليدة المصادفة: بل إنها متأصلة في النظام. وعلى البلدان الأعضاء الأضعف أن تجد مهرباً من المصيدة التي وجدت نفسها فيها. وسوف تتلقى القليل من المساعدة: إن المنطقة غير راغبة في أن تكون منفق الملجأ الأخير، واليورو بحد ذاته قوي للغاية كذلك. ولكن يجب عليها أن تنجح. وحين تم تأسيس منطقة اليورو، ظهرت كتابات كثيرة حول ما إذا كانت هي الاتحاد النقدي الأمثل. ونعرف الآن أنها لم تكن كذلك. ونحن على وشك أن نعرف ما إذا كان لذلك الرأي تلك الأهمية.