هل العالم محق عندما يعول على الصين للخروج من أزمته؟

كانت القدرة المذهلة للصين في الحفاظ على النمو هي إحدى المفاجآت الإيجابية العظيمة في عام 2009 من خلال ما يعادل تسونامي على الصعيد الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الدلائل الأولية تشير إلى وجود تباطؤ واضح، سرعان ما استأنف النمو نشاطه في الربيع. بالنسبة لمؤيدي قصة الصين، يعتبر ذلك بمثابة برهان آخر على مدى القوة والمرونة الاستثنائية للعملاق الآسيوي، في حين يرفض المتشككون أداء الصين باعتبار أنها مصممة من جانب الحكومة، وذات دوافع سياسية وأنها فقاعة غير مستدامة في نهاية المطاف.
في الحقيقة، وكما جرت العادة، من المرجح أنها تكمن بين هذين النقيضين. بغض النظر عن أسباب هذا التحول، فإن الصين ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها واحدة من النقاط المشرقة في الاقتصاد العالمي. أيضاً تعتبر قدرة بكين على إبقاء القصة على المسار الصحيح ذات أهمية حاسمة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، سواء من خلال الطلب على النفط أو تأثير الأسعار أو تأثير ذلك في الدولار.
ومرت الصين بأزمة جيدة على الرغم من أنها لم تحمل بداية جيدة، فانخفاض الصادرات بنسبة 52,6 في المائة من مستويات ما قبل الأزمة كان الأكثر حدة في آسيا، مما أجبر نحو 15 في المائة من الشركات الموجهة للتصدير على خفض إنتاجها إلى أكثر من النصف، بل وإيقافها نهائيا في بعض الحالات، حيث عاد ما يقرب من 20 مليون عامل مهاجر إلى قراهم. لقد كان من المتوقع تأثر نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أساسي وعلى نطاق واسع - ما سمح بظهور الشكوك حول الإحصاءات الحكومية - لكن كافح التنين الأحمر بسرعة وعزيمة ملحوظتين، مؤكداً بذلك على الروح الاقتصادية للنظام الشيوعي، وقد اعتمدت السلطات مجموعة استثنائية وواسعة من إجراءات التحفيز في محاولة للعودة إلى النمو وإلى المستويات المستهدفة. واشتملت تدابير مكافحة الأزمة فوق كل شيء على حزمة ضخمة تبلغ أربعة تريليونات رينمبي (500 بليون دولار) من الحوافز التي تغطي الفترة 2009 - 2010، بما يعادل نحو 12 - 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الوقت نفسه، سمحت السلطات للبنوك المملوكة للدولة بممارسة هيمنتها لتسريع الاقراض. وكان تأثير التحفيز واسعاً. ووصلت قيمة القروض المصرفية الجديدة الصادرة العام الماضي إلى أقل بقليل من عشرة تريليونات رينمبي (1,5 تريليون دولار)، أي أكثر من ضعف الرقم لعام 2008.
ومع مثل عمليات الضخ المالي الضخمة من المستغرب أن يرتفع النمو الاقتصادي مرة أخرى فوق مستوى 8 في المائة ويبدو هذا بدوره الآن هدفا سياسيا غير قابل للتفاوض بالنسبة للسلطات، حتى بعد ثلاثة عقود من تحقيق نمو قياسيٍ في أعقاب سياسة العودة من عام 1978. ويبدو السبب بسيطاً في ذلك التصميم: الصين دولة في سباق مع الوقت. سياسة الطفل الواحد ذات تأثير مدمر. انخفض النمو السكاني من 2 في المائة سنوياً الفترة 1950 - 1978 إلى 0.65 في المائة في عام 2005.
وستبدأ الأيدي العاملة الصينية في التراجع الفعلي بحلول عام 2030. الصين لا تحتاج فقط إلى توليد الثروة بما يكفي لتوفير بيئة لكبار السن، حيث سيكونونا أكثر عدداً (خاصة بالاصطلاح النسبي)، ويعيشون فترة أطول من قبل. في الوقت نفسه، مع استنفاد مجموعة كبيرة من العمالة المنخفضة التكلفة تدريجياً، فعليها إعادة تشكيل نموذجها الاقتصادي، والانتقال من الصناعات ذات التصدير المنخفض التكلفة إلى مستوى يسمح للشركات الصينية المنافسة في بيئة ذات قيمة إضافية أعلى.
في هذا السباق مع الزمن، تعتبر أرقام النمو الرئيسية مهمة. ومع ذلك، تصبح تدابير الحوافز القوية ذات معنى بوصفها تدابير مؤقتة قصيرة الأجل. ولا يمكن أن تستمر الصين في مواصلة الإجراءات التحفيزية الحكومية لأجل غير مسمى دون خلق تشوهات اقتصادية كبرى، وإلا فإنها تخاطر بتكرار أخطاء جارتها اليابان: صنع معجزة اقتصادية لمرة واحدة لعقدين من الزمن من غير جدوى للتغلب على المشاكل الاقتصادية ذات سجل قياسي لنسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي نتيجة أكثر وضوحاً.
والسلطات الصينية شديدة الحساسية بوضوح إزاء هذا الاحتمال مع وجود الأدلة القوية الوافرة التي توحي بأن ليس كل شيء على ما يرام. بلغت معدلات شغور العقارات التجارية في وسط شنغهاي 50 في المائة في حين أنتجت طفرة البنية التحتية قدراً كبيراً من القدرات غير المستخدمة. ويبدو جلياً أن الاقتصاد يكافح من أجل استيعاب الحوافز غير العادية، خصوصاً مع التراجع الحاد في تصحيح أسعار الأصول من أوائل عام 2009، وظهور فقاعات جديدة. وتتزايد المخاوف بشأن تضخم مفتوح، مع نمو تدفق السيولة حسب قياس M1 حاليا بنسبة 30 في المائة، فقد تتضاعف توقعات الحكومة للتضخم البالغة 3 في المائة هذه السنة أيضاً بحلول أواخر الربيع. وتفهم السلطات هذا، ولهذا السبب اتخذت عدداً من الخطوات في الآونة الأخيرة للحد من الائتمان المصرفي، وكان آخرها عن طريق زيادة متطلبات الاحتياطي. رغم ذلك، من المرجح أن يشير ذلك لعملية توازن متقطعة آخذين في الاعتبار أن إجمالي قروض يبلغ 7.5 تريليون رينمبي (1,098 تريليون دولار) للسنة ككل لا يزال نقطة حرص.
ورغم ذلك، تتعالى المطالبات لمساندة التعديلات الهيكلية، والمشكلة التي تواجهها الصين لا تختلف عن تلك التي يواجهها الغرب. في الوقت الذي تبذل فيه الجهود للحفاظ على النمو تتعرض السلطات لمخاطر إحداث الرضا الذاتي، بدلا من بذل الجهود للتصدي للتحديات. لماذا تباشر في الإصلاحات الهيكلية المؤلمة في حين أن النتائج المرجوة يمكن أن تتحقق بشكل مستقل كيف المرجح أن تكون نتيجة ذلك؟ قد ثبت عدم جدوى التنبؤات السابقة برضوخ الصين لمنطق الأسواق تقريبا كما ثبت ذلك في أماكن أخرى. وعلاوة على ذلك، يسمح عمق الاحتياطيات الصين من حيث المبدأ فترة طويلة من النمو المدعوم حكومياً. ارتفعت احتياطاتها من النقد الأجنبي وحدها بنسبة 126.5 مليار دولار في خلال الربع الرابع إلى 2,399 مليار دولار . وأصبحت اليابان رغم رغبة المستثمر المحلي القوية على السندات الحكومية تعتمد اعتمادا مزمناً على تدابير التحفيزات الحكومية منذ انفجار فقاعتها في بداية التسعينيات. بدت الإصلاحات الهيكلية اللازمة بشكل متقطع غير كافية تماماً لإنتاج نتيجة ملموسة وتغني عن الحاجة للمساعدات الحكومية.
في ظل هذه الظروف، فإن التحدي الرئيس لبكين هو توليد العزم من أجل الإصلاح. ومع ذلك، سواء كانت ستنجح في ذلك أم لا، فليس من المرجح أن تضع تقديرات ميزانيتها على أهداف نمو بارزة في أي وقت قريب. هذا هو موقف السياسة العالمية. ومن المقرر أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم بحلول نهاية العشرينيات . في الوقت ذاته، يتلاقى نموها تدريجيا مع الأنماط الغربية. ولقد أثبتت نفسها بالفعل باعتبارها أكبر سوق للسيارات والسوق الأسرع نموا في سوق السلع الفاخرة عالمياً.
واستمرار قوة الصين له تعقيدات مهمة بالنسبة لمنطقة الخليج ففي العامين الماضيين، أبرزت الربط بين أسعار النفط والنمو في دول مجلس التعاون الخليجي. سوق النفط بدورها تسير في خضم تحول هيكلي أساسي الذي يجعل الأسواق الناشئة المحرك لنمو الطلب. ينمو معدل استهلاك النفط في الصين بنسبة 12 في المائة في السنة، وليس أقلها بسبب تزايد شعبية السيارات، حيث تم بيع 13.6 مليون سيارة خلال عام 2009. ومن المرجح أن تجعل الجهود التي تبذلها الحكومة لبناء احتياطيات النفط الطلب أكثر مرونة. و بهذا المعدل ، فإن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة باعتبارها مستهلك النفط بحلول عام 2018م، ومن غير المرجح إجراء تغييرات تقودها سياسات مهمة خاصة، وقد بدأت الاعتبارات البيئية الظهور على جدول الأعمال.
ويبدو أن احتمال رفع قيمة الرنمينبي الصيني المثير للجدل لا يمكن استبعاده بسبب تزايد الضغوط التضخمية، والاعتراف بالحاجة إلى إجراء تعديلات هيكلية أوسع، حتى إن السلطات كانت تفضل التدرج، فإنها قد تختار تصحيحاً أكثر حدة لتفادي تدفقات المضاربة. وهذا بدوره لن يؤدي إلى الحد من الضغوط في واحدة من أهم نقاط التوتر في أسواق العملات العالمية فقط بل سيؤدي أيضا إلى زيادة تعزيز الإقبال على السلع الصينية، حتى وإن تراجعت الصادرات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي