في القطاع الخاص سعودة أم «سخرة» ..؟!!

على الرغم من أن قضية «السعودة» باتت من القضايا المملة لكثرة طرحها وتداولها وقلة نتائجها، إلا أنها تبقى واحدة من أهم القضايا التي نواجهها، وأبرز التحديات التي علينا التصدي لها برؤية وطنية أساسا وبجدية واهتمام كبير لما لها من انعكاسات سلبية كثيرة اجتماعية واقتصادية وأمنية إن بقيت تراوح مكانها بدون معالجة، ونتائج إيجابية إن وجدت حلولاً فعلية وعملية، ففي ظل محدودية قدرة القطاع العام الحكومي على استيعاب هذا التدفق المستمر والمتواصل لطالبي العمل ومستحقيه من المواطنين، وهناك بالتأكيد حاجة لسد نقص في بعض قطاعاته، إلا أن القطاع الخاص يبقى هو المعني والمطالب بالإسهام إسهاما واسعا في توفير مئات الألوف من فرص العمل للسعوديين محل كثير من عمالته الأجنبية وعن طريق خطة إحلال منظمة وجادة لسعودة حقيقية وليست وهمية، وما يجعل الجزء الأكبر من مسؤولية السعودة يقع على عاتق القطاع الخاص، ومطالبته بلعب دور يساهم به في برامج توطين الوظائف، هو هذا التوسع في حجمه وجعله يتولى مهام أكبر في التشغيل والإنتاج في عديد من المجالات والقطاعات ومنها ما كان تابعا للقطاع العام الحكومي من خلال برامج خصخصتها لتصبح جزءاً من القطاع الخاص بتحويلها إلى مؤسسات وشركات تجارية بما جعله شريكا في المسؤولية الوطنية.
السؤال الذي يفرض نفسه مع توسع القطاع الخاص والذي يجعل منه مصدراً لتوفير فرص عمل متعددة، ومع استمراره في الاعتماد على العمالة غير السعودية.. هو إلى أي مدى يقوم هذا القطاع بدور فعال في توطين وظائفه والمساهمة الفعلية في برامج سعودة جدية..؟.
للإنصاف هناك قلة من القطاع الخاص يمكن القول إنها تحقق نسبة سعودة جيدة، بينما الكثرة تتهرب من الحق والواجب بطرق مختلفة مثل ممارسة الوهم في توظيف الشباب السعودي، فالسعودة الحقيقية هي في توفير فرصة عمل فعلية وإشغالها بمواطن يؤهل ويدرب على أدائها، لا أن يستخدم الدوام الجزئي في التوظيف للسعوديين للالتفاف على برامج السعودة، واستغلال حاجة الشباب للعمل بأن يفرض عليهم برامج توظيف هو أشبه ما يكون بـ»السخرة» حين يوظفون لأداء أعمال شاقة ومرهقة بدون حقوق تؤمن لهم الأمان الوظيفي بدمجهم في كيان العمل كعاملين كاملي المهام والواجبات والحقوق، فعندما تقدم شركة كبرى وتحقق دخلاً بمليارات الريالات سنويا، جزء كبير منها أرباح صافية، على إيهام شباب سعودي وإغرائهم بأحلام التوظيف بدوام جزئي وبراتب مقطوع يحسب لهم بالساعة والتي يتدنى في بعضها إلى 35 ريالا دونما إعطائهم حقوقاً وظيفية مستحقة لهم كبدل علاج وسكن وضم للتأمينات الاجتماعية، وهي تمثل استقرارا وشعورا بأمن وظيفي، وبوعد غير موثق ولا ملزم وبلا أفق بالتوظيف الكامل، ألا يعتبر ذلك توظيفا وهميا وادعاء باطلا بسعودة وظائفها..!!؟.
هذا بكل أسف حاصل في شركات معروفة وشهيرة وكبرى وتجني أرباحا من سوقنا، والأكثر أسفا أنها تستخدمهم لأداء أعمالا مرهقة وصعبة وبعضها يؤثر عليهم صحيا تدر على الشركات أرباحا ومكاسب دون أن يحصلوا على حقوق موازية، ثم تأتي مثل هذه الشركات وتدعي أنها تقوم بدورها في السعودة..!!.
السعودة الحقيقية ليست في مثل هذه الطرق الملتوية التي تقوم بها مثل هذه الشركات، فالمؤمل أن تكون مساهما وشريكا في حل مشكلة بطالة تتضخم وتكبر يوما بعد يوم، وذلك بتطبيق برنامج سعودة حقيقي، فالتوظيف الجزئي في وظائف تتطلب جهداً وعملاً فعلياً بدون صرف حقوق، يجعل الشباب السعودي في مثل هذه الحالة يشعر بأنه في مهب ريح مزاج شركات لا يدري أين سوف تدفع به في نهاية المطاف، وهي حالة تبقيه معلقا لشهور طويلة يعمل ويجد ويكدح وبدون حقوق أساسية، ولا شعور بأمان وظيفي حتى ولو كان بوعد غير موثوق به.
عندما وصفت هذا النوع من التوظيف الذي باتت تلجأ إليه بعض الشركات بالسخرة، وهو فعلا كذلك، فلأن من يوظف بهذه الطريقة العوجاء، تستنزف الشركة جهده وعرقه ووقته، وتستثمر حاجته للعمل لمصلحتها هي فقط، بدون حقوق مقررة له وفق نظام العمل وأولها ضمه للتأمينات الاجتماعية، وهو ما يفرض أن تتدخل وزارة العمل لتفرض على هذه الشركات تحديد مدة زمنية معقولة لا تتجاوز شهرين لما يسمونه بالتوظيف الجزئي ثم بعد ذلك إما أن يرسم الموظف السعودي، أو يسرح وفق شروط تحدد الأسباب، وذلك حتى لا تستغل مثل هذه الشركات حاجة شبابنا للعمل، وتهدر وقتهم وجهدهم بلا طائل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي