هل أنت سعيد في عملك؟

أعرف أنني عندما أطرح هذا السؤال سأتسبب عن دون قصد في تقليب المواجع لدى كثيرين، بل إنني أكاد أسمع تنهيدة القارئ عندما يسقط بصره على هذا العنوان، إن الأمر لا يحتاج إلى إجراء الدراسات والأبحاث الأكاديمية والميدانية للتعرف على عدد من يشعرون بالسعادة والتعاسة في عملهم، ولكن يكفي فقط التطلع في وجوه الناس وهم يتجهون بتثاقل إلى أعمالهم كل صباح، أو وهم يهرولون إلى منازلهم في المساء، أومشاهدتهم في مكاتبهم وهم يترقبون عقارب الساعة ويلعنون الوقت الذي يسير مثل السلحفاة، أو ملاحظتهم وهم يتحدثون بكل ضيق وملل مع عملائهم وزملائهم, أو عندما ننصت إليهم وهم يقصون علينا متاعبهم وهمومهم في العمل. معظم الناس حولنا يتمنون في قرارة أنفسهم أن يعود بهم الزمان مرة أخرى إلى بداية الطريق حتى يختاروا مهنة غير المهنة ومكانا غير المكان، ومعظم الناس لديهم قناعة بأن أسباب عدم سعادتهم في العمل لا ترتبط بهم وبسلوكياتهم بقدر ما ترتبط بعوامل خارجة عن نطاق سيطرتهم وأشخاص عجزوا عن التعامل معهم ومناخ لا يتناسب مع أنماط شخصياتهم. والأخطر من ذلك أنهم قنعوا بالسكون والاستسلام لهذا الشعور، وبحكم العادة وسلطان الحاجة توصلوا إلى أن عليهم أن يستمروا في العمل حتى الرمق الأخير، فالمهم أن يحصلوا على المقابل ليطعموا أطفالهم ويديروا أمور حياتهم المختلفة، فالعمل من وجهة نظرهم وسيلة للكسب والعيش. الحقيقة أن هؤلاء وهم كثيرون فقدوا واحدة من أعظم المتع في هذه الحياة، متعة العمل والإنتاج والشعور بتقديم قيمة حقيقية في هذه الحياة. السعادة قريبة منهم ولكنهم في زحمة العمل لا يرونها، نحن في هذا المقام لن نقدم روشتة للسعادة فالسعادة لا تباع أو تسوق ولكنها شعور يصنعه الإنسان لنفسه وبنفسه. فقط سنحاول أن نستكشف معاً بعض المناطق المؤثرة جداً في خلق الشعور بالسعادة،
المنطقة الأولى: هي منطقة الشعور بالقيمة، قيمة العمل وقيمة الناتج، أهم ما يشعر الإنسان بالسعادة هو إحساسه بالرضا تجاه ما يقدمه لغيره من الناس، إحساسه بأنه قدم شيئاً ينتفع به غيره، تماماً مثل الشعور الذي يعتريك عندما تساعد محتاجا أو تساند من يطلب المساندة. وأي عمل في هذه الحياة له قيمة مهما صغر هذا العمل أو كبر في أعين الناس، إذا كنت مدرساً من السهل أن تشعر بالسعادة وأنت تذهب كل يوم إلى مدرستك لتبني عقول الطلاب وشخصياتهم ومستقبلهم، وإذا كنت طبيبا من السهل أن تشعر بالسعادة وأنت تخفف بمشيئة الله آلام الناس وأوجاعهم، وإذا كنت تبيع للناس الخبز والخضراوات، من السهل أن تشعر بالسعادة لأنك توفر للناس مأكلهم ومشربهم، وإذا كنت سائقاً من السهل أن تشعر بالسعادة إذا أدركت أنك تقدم خدمة جليلة للناس عندما تساعدهم على قضاء مصالحهم وأعمالهم، وإذا كنت....وإذا كنت.....، كل مهنة شريفة ومشروعة تقدم قيمة عظيمة للناس حتى إن الناس يقعون في عديد من المشكلات عندما يتخلى صاحب مهنة عن مهنته في مكان ما. إذن عزيزي القارئ استشعر هذه القيمة في كل لحظة تشعر فيها بعدم السعادة في عملك.
المنطقة الثانية هي منطقة التحديات المثيرة، لقد أثبتت الدراسات أن أحد أهم الأسباب التي تشعر الإنسان بالرضا في مكان عمله هو وجود تحديات تحثه على تقديم أفضل ما لديه. التحدي والرغبة في تحقيق إنجازات متتالية يجعل حياة الإنسان مملوءة بالتشويق والإثارة، وكل مهنة وكل عمل مملوءة بالتحديات، اذهب غداً لعملك وقرر بينك وبين نفسك أن تؤدي مهمة ما بأفضل أداء، تحد نفسك ولا تتحد زملاءك أو مديريك، تحد نفسك ولا تنظر للمقابل ولكن ضع لنفسك تحديات جديدة، والنتائج قادمة لا محالة.
المنطقة الثالثة: حاول أن تؤدي عملك بطريقة مختلفة، غير أسلوب عملك، غير أسلوب تفكيرك، غير عاداتك اليومية في العمل، ليس من الضروري أن تؤدي في عملك الطقوس نفسها والأفعال ذاتها، حاول أن تبدع في أداء المهام المطلوبة منك، والإبداع ليس حكراً على أحد أو أمراً صعب المنال، فقط انظر حولك .... راقب أداء زملائك .... راقب أداء مديريك .... استمع لمقترحات عملائك .... اقرأ كتبا في مجال عملك ... ستجد كم من الأفكار والأساليب لا حصر لها وستتحول حياتك المهنية إلى متعة حقيقية لا تنتهي. المنطقة الرابعة: هي منطقة التعامل مع المشكلات اليومية مع الزملاء والعملاء والمديرين، كثيرون جداً يرون أن هذه المنطقة على وجه التحديد هي مصدر تعاستهم بينما من المفترض أن تكون هي المنطقة التي يصنع فيها الجزء الأكبر من السعادة، يجب أن نتعامل مع هذه المشكلات باعتبارها جزءا من العمل وأن العمل لا يستقيم من غيرها، فالعمل تفاعل واحتكاك وتنافس مثله مثل الحياة تماماً، وأنت تستطيع أن تمتلك القدرة على التأثير في الآخرين، يمكنك أن تفرض عليهم أسلوبك ومنطقك وشخصيتك، مطلوب منك أن تبدي المشاعر الطيبة لزملائك ومديريك، تتعامل معهم باحترام وتقدير، تتجاوز عن الصغائر، وعندما تجد نفسك مرغماً لاتخاذ موقف فعليك أن تفعل ذلك دون تجريح، حاول دائما أن تصقل خبراتك في التعامل مع الآخرين سواء بالقراءة أو الاستفادة من الدروس والتجارب سواء كانت هذه الدروس والتجارب خاصة بك أو بغيرك. المنطقة الأخيرة هي التفكير الإيجابي، عليك دائماً أن تنظر للنصف المملوء من الكوب، عندما ينتقدك مديرك فهذه فرصة ودافع للتطوير والتحسين، وعندما يشتكي عملاؤك فهذه فرصة لتحقيق التميز، وعندما يطلب منك زملاؤك أن تؤدي مهام خاصة بهم فهي فرصة للتعلم. ودائماً عزيزي القارئ كن طموحاً في مجال عملك تطلع إلى الأفضل وأسع إليه بقوة..ولا تنس أن تستيقظ كل يوم ولديك حلم جديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي