البنك العقاري وقرض حسن
بقدر ما أدى بنك التنمية العقاري، الذي يقدم قروضا حسنة للمواطنين للمساهمة في بناء مساكن لهم، من دور فعال وإيجابي في تمكين شريحة واسعة من ذوي الدخول المحدودة من إنشاء مساكن لهم في سنواته الأولى، بقدر ما أصيب خلال الـ 20 عاماً الماضية بحالة تعثر شديد جعلت المواطن ينتظر لما يزيد على عشر سنوات للحصول على قرض، وحتى هذا القرض لم يعد يكفي لبناء 50 في المائة منه، فمبلغ 350 ألفا الذي قرر منذ إنشاء البنك قبل 36 عاماً كان مجزيا وليس كافيا بحسب الأسعار آنذاك، أما اليوم فبالكاد يفي بإنشاء الأساسات الأولية للبناء.
القضية الأكثر أهمية في البنك ليست قيمة القرض، بالرغم من المطالبات بإعادة النظر فيه وفق التغير الكبير في الأسعار على مدى العقود الماضية، وخاصة مطالبة مجلس الشورى برفعه إلى 500 ألف ريال، بل في كيفية تقليل مدة الانتظار وسرعة تأمين القرض للمواطن، وهو ما أصبح اليوم ضرورة قصوى كجزء من الحلول لأزمة السكن المتفاقمة التي تعانيها النسبة الكبرى من المواطنين، والتي ضاعفها ارتفاع قيم الإيجارات كما هي عليه اليوم بعد أن تركت في أيدي ملاك، بحجة حرية السوق، لا هم لهم إلا استغلال حاجة الناس للسكن يرفعون أسعاره وفق هواهم وجشعهم فقط، والتي تضاعفت خلال العامين الماضيين مرة ومرتين، مما زاد من حدة أزمة السكن على المواطنين من محدودي الدخل الذين يمثلون النسبة الكبرى ممن يسمون بالطبقة الوسطى، وجلهم اليوم مستأجرون.
لعل من الأسباب التي قادت لتعثر البنك في سرعة تقديم القروض خلال مدة معقولة، أن الطلب عليه من قبل المواطنين في تزايد، وهذا متوقع ومبرر، فنسبة السكان ارتفعت ارتفاعا كبيرا خلال العقود الثلاثة الماضية، ونسبة كبيرة جدا منهم باتوا ممن يستحقون الاستقرار في مساكن يتملكونها، وهذا جزء أساسي من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمواطن، وينعكس بالتالي على نمو شعوره بالأمان مما يزيد من الإنتاجية ويرفع مستوى معيشته قياسا ببلده التي أفاض الله عليها من نعمه وجعلها في مصاف الدول الثرية. والسكن وإن كان يبدو شأنا خاصا، إلا أنه هم عام، بمعنى أن الدولة معنية مباشرة بوضع إجراءات تمويلية عن طريقها أو عن طريق مؤسسات اقتصادية كالبنوك أو أنظمة كالرهن العقاري المنتظر والمعمول به في كل دول العالم حين يطبق ضمن آلية تخدم كل الأطراف، فالمساعدة على توفير مساكن في متناول الجميع عن طريق التمويل الميسر، مسؤولية أي دولة تجاه مواطنيها، أما القول إن عدم التسديد من قبل المقترضين، فهو بلا شك سبب آخر، ولكنه ليس السبب المعطل، فالبنك قادر على إجبار كل من يتهرب على أن يفي بما عليه، ونسبة هؤلاء على أية حال ليست كبيرة بحيث تعطل سرعة آلية الإقراض.
والدولة وفقها الله لا شك في اهتمامها بهذا الجانب، فهاهي وبموقف إنساني تعفي ورثة المقترض المتوفى، ولكن البنك في وضعه الحالي وبصفته الممول الوحيد الميسر المتاح لذوي الدخل المحدود، في حاجة لوقفة معروفة ومشهودة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لانتشاله من هذا التعثر، والذي بالوضع الحالي سوف تصبح قروضه من ضمن الميراث لورثة المتقدم عليه لاستحالة وصوله للدور في حياته لتأخر منح قروضه، وهو ما عطل نسبة كبيرة من الاستفادة منها للبدء في إنشاء سكن، وفي وقفة مشابهة للقرض الحسن الذي وافق مجلس الوزراء أخيرا على تقديمه للشركة السعودية للكهرباء بمبلغ 15 مليار ريال سعودي وبفترة سداد 20 عاما، وهذا مفهوم لكونها تحتاج لبضع عشرات المليارات خلال السنوات القليلة القادمة لتغطية الاحتياج المستقبلي من الطلب على الخدمة الكهربائية، وهذه لفتة مهمة من مجلس الوزراء لدعم هذا القطاع المهم والأساسي، وهو ما ينطبق أيضاً على الإسكان، حيث تؤكد الإحصائيات حاجتنا لإنشاء آلاف الوحدات سنوياً، وإلا سوف نواجه تبعات أزمة سكن مريعة، قد تضطر البعض للعودة للخيام لعدم توافر مساكن إلا بمبالغ خيالية، أو السكن بما يشبه علب الساردين أو بمنازل شعبية منعدمة الخدمات، وهو ما يضع السكن على نفس درجة الأهمية في دعم بنك التنمية العقاري بقرض حسن هو الآخر لتسريع منح قروضه.
وهذا لا يتعارض مع برامج وخطط هيئة الإسكان الجديدة التي نسمع عنها، فهي تحتاج إلى عديد من السنوات لسنا في فسحة من الوقت تسمح بالانتظار، وحتى يأتي ذلك الوقت لنجعل البنك العقاري يقوم بدوره ولكن ليس بوضعه الحالي، وحين ينتهي دوره يمكن تحويل أقساطه لصندوق هيئة الإسكان.