مهنة المحاسبة والمراجعة بين الواقع والمأمول

تعتبر مهنة المحاسبة من الأدوات التي يقوم عليها الاقتصاد وذلك لما لها من دور رئيس في تقديم التقارير المالية التي تساعد المستخدمين على اتخاذ قراراتهم الاقتصادية. واستشعاراً بأهمية هذا الدور، فقد تم إنشاء الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين عام 1412هـ بموجب مرسوم ملكي كريم أناط بها مسؤولية النهوض وتطوير مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة. وبالنظر إلى ما تحقق منذ ذلك التاريخ حتى الآن، نجد أن ما حققته الهيئة هو إنجاز يحسب لها دون شك، ومن شواهد ذلك إعلان الاتحاد الدولي للمحاسبين IFACأن تجربة المملكة في النهوض بالمهنة وتطويرها هي نموذج للتجربة الناجحة يمكن الاسترشاد به في تطوير مهنة المحاسبة والمراجعة وهذا وسام ليس للهيئة فقط وإنما لكل المنتسبين لها فالذي تحقق كان بفضل المولى تبارك وتعالى ثم بجهود مشتركة من الجميع، إلا أنه ما زال هناك حيز ومجال كبير للتطوير في المهنة فواقع المهنة هو واقع مقبول ولكنه ليس المأمول، حيث إن المتعامل مع المحاسبين القانونيين في هذه الأيام قد يرى أن هناك بعض المكاتب غير الملتزمة بمعايير الجودة في العمل بالشكل الذي تتطلبه الأنظمة والمعايير ذات العلاقة، كما أن مخرجاتها المهنية هي مخرجات ضعيفة لا ترقى إلى أن تكون صادرة عن شخص ينتمي للمهنة. وبالرغم من قناعتي التامة بأن هذه الفئة هي قلة في الوسط المهني وهي في طريقها للزوال بمشيئة الله تعالى، إلا أن وجودها يسيء إلى المهنة بشكل كبير ويترك صدى لدى المتعاملين مع المحاسبين القانونيين بأن هذا هو واقع المهنة مما يجعل الخدمات المقدمة من المحاسب القانوني رخيصة الثمن ولا تحقق مفهوم القيمة المضافة للعميل. إن لدي طموحا، بحسبي من المنتميين إلى المهنة، بأن أرى نقلة نوعية فيها لتصبح مهنة رائدة تعطي من يمارسها احتراماً كاملاً وتقديراً تاماً وكذلك محاسبة عسيرة وعقوبة رادعة للمخالف بما يحمي ويحقق مصالح الجميع كما هو الحال في الدول المتقدمة. ومن المعلوم أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال نشر ثقافة الوعي المحاسبي وتقليص فجوة التوقعات (دور المحاسب القانوني وما يتوقعه منه المجتمع). ودون أدنى شك فإن نقطة البداية يجب أن تكون نابعة من المحاسبين القانونيين أنفسهم وهذا لا يتأتى إلا من خلال تركيزهم على بعض الأمور المحورية يأتي في مقدمتها الالتزام بالمتطلبات النظامية والمهنية. وهنا يأتي دور الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين ليس فقط كأداة رقابية لتعقب المخالفين ومجازاتهم وإنما يأتي دورها الأكبر في المساهمة والمتابعة ووضع البرامج لضمان تطوير المهنة ودعم المكاتب الوطنية وتحديد الآليات التي تؤدي بمشيئة الله تعالى إلى رفع كفاءتها والعمل على استمراريتها. ومع قناعتي التامة بأهمية دور الهيئة، إلا أن المحاسب القانوني يجب أن يكون هو نقطة البداية بمعنى أن تكون ممارسته لهذه المهنة متمثلة في اتباعه السلوك الحسن الذي يعتبر الركيزة الرئيسية لممارستها ومن ثم يصبح قادراً على مواصلة مسيرة تطوير المهنة ونقلها بمشيئة الله تعالى إلى ما هو مأمول.

كي بي إم جي الفوزان والسدحان

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي