الزكاة من منظور اقتصادي
من كمال الإسلام اهتمامه بالشأن الاقتصادي فهو يسهم في تقوية الشعوب أمناً وتعليماً وتنمية، كما أنه يسهم في دعم أعمال البر والتكافل الاجتماعي. والمتدبر في آيات الكتاب والسنة يجد كثرة الأوامر بإيتاء الزكاة والوعيد الشديد لمن يمنع الزكاة، وما ذاك إلا لأن الزكاة فيها مصالح عظيمة للمجتمع الزكوي ومفاسد أيضاً عظيمة للمجتمع غير الزكوي فهي نظام اقتصادي وأمني وتربوي، بل واجتماعي.
فمن مصالح الزكاة أنها أشبه ما تكون بتأمين تكافلي ضد الأخطار المالية، فصاحب المال الذي لديه زكاة يخرجها إلى الغارمين، وهم من عليهم ديون، قد يأتي عليه يوم وتثقل كاهله الديون، فيحتاج هو إلى من ينقذه، فالأيام دول، وربما دخل السجن، وهدد بالطرد من وظيفته أو خسارة ما تبقى من تجارته فتجد الزكاة تقف معه وتساعده على سداد دينه والنهوض من جديد ليكون عضواً منتجاً في المجتمع، ومن المعلوم تاريخياً أن الأقوام السابقة ومنهم اليهود والرومان، وبعض عرب الجاهلية كانوا يبيحون استرقاق المدين المعسر، فإذا بالإسلام يمنع ذلك كله، ويجعل من الحقوق الواجبة في المال دفعه إلى المدين ليسدد دينه.
والزكاة عندما تؤخذ من الأغنياء وترد إلى الفقراء فهي بهذا تدفع صاحب المال إلى الاستثمار والتجارة يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه: (اتجروا في أموال اليتامى حتى لا تأكلها الصدقة). فالتاجر الذي يجمد أمواله ولا يحركها في التجارة يتناقص ماله تدريجياً مع الزمن بسبب دفع الزكاة وهذا بدوره يدفع التاجر تلقائياً إلى ضخ أمواله في المناشط التجارية وإنشاء المشاريع الاستثمارية النافعة في البلد التي تعود عليه بعوائد مالية بعد خصم الزكاة، كما أن هذه المشاريع التجارية تؤدي إلى تشغيل أيدي عاملة، ما يقلل نسب البطالة ويقلل معدلات الفقر، وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد، وهذا معنى عظيم من معاني الزكاة فكنز الأموال وتجميدها في الأرصدة تجميد للاقتصاد وشل للحركة التجارية وتجفيف للسيولة، وقد حرم الشارع الحكيم كنز الأموال وعدم إنفاقها في سبيل الله عن طريق الزكاة قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم).
كما تسهم الزكاة في تقليل معدلات الفقر في المجتمع الزكوي وتأمين الفقير من الجوع والهلاك فهذه الأموال ترفد الفقير مع دخله الضعيف أو المعدوم ليستطيع أن يواجه صعوبة الحياة، وأن يكون عضواً فاعلاً في المجتمع هو وأبناؤه، وقد استعاذ نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الفقر فقال:( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) فجعل الفقر بين الكفر وعذاب القبر، وما ذلك إلا لشناعة الفقر وعلم الرسول أن فيه مفاسد دينية ودنيوية. كما أنه بالزكاة لا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء فقط، بل حتى الفقير ينال منها، ويستفيد منها وهذا مقصد من مقاصد الزكاة، والإسلام لا يريد أن يكون المال بين الأغنياء فقط كما قال تعالى: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم). فلو أن كل صاحب مال بلغ النصاب دفع الزكاة إلى الفقير لما بقي فقير، ولكن التقصير في دفع الزكاة التي هي حق الفقير والمسكين أدى إلى كثرة الفقر، ولهذا في عهد عمر بن العزيز –رحمه الله- كان ينادى من أراد زكاة مال فليأخذ فلا يجدون فقيراً يأخذ الزكاة، وهذا قمة الأنظمة الاقتصادية التي تسعى الدول جاهدة أن تصل إليه التي أرجو أن نصل إليها مرة أخرى.