العمالة .. وتشويه الطفولة
موضوع تعذيب الأطفال أو التحرش الجنسي بهم هو إحدى السلبيات التي سببتها حاجتنا إلى السائقين والخدم في منازلنا, إضافة إلى ما يحدث من تعذيب الوالدين لهم. والأطفال يشكلون نصيب الأسد من التركيبة السكانية الحالية والمستقبلية, هؤلاء الأطفال هم الذين سيكونون عماد وجيل المستقبل الذين سنعتمد عليهم في قيادتنا لهذا البلد نحو منزلتنا العالمية ولننافس غيرنا من الدول. وتعذيب الأطفال في صغرهم يترك دائما تعقيدات نفسية ربما تؤثر في سلوكياتهم مستقبلا عندما يكبرون أو يحتلون مراكز قيادية في الدولة. وهو موضوع ربما نكون قد عانيناه سابقا, حيث إن بعض المسؤولين السابقين لدينا يكونون قد لحقهم المرض وسبب لهم بعض العقد النفسية أو الاجتماعية التي سببها تعذيب أبيه أو زوجة أبيه أو الخدم والسائقين. وبذلك فإن هؤلاء ربما يسببون بعض الأخطاء التخطيطية التي تؤثر في سير حياتنا ومجريات الأمور في الدولة. وبذلك يسببون خسائر اقتصادية لا نكتشفها إلا بعد خراب مالطة. هي ظاهرة نراها ونلمسها, خاصة من يترك أطفاله وحدهم مع السائق في توصيلهم للمدارس أو المشاوير الأخرى.
ومع أن هذه الظاهرة نراها إلا أن بعضنا يغمض عينيه أو يتجاهلها. وفي الوقت نفسه نرى ونسمع أن في معظم دول العالم توجد قوانين وأنظمة وعقوبات صارمة لمنع تعذيب الأطفال سواء جسديا أو نفسيا أو جنسيا إلا أننا لا نرى لدينا أيا من تلك الأنظمة. والموضوع يمتد ليشمل قوانين وعقوبات لمنع تعذيب الزوجة أو الخدم, لذلك فإنني أرى أننا مسؤولون كمجتمع وكدولة عن حياة هؤلاء الأطفال فهم قصر ولا يعرفون أو يستطيعون حماية أنفسهم, وذنبهم في أعناقنا. ويجب أن يكون هناك قانون يسمح للطفل أو من يرى أحدا يتحرش به أو يعذبه أن يتصل بجهة معينة أو خط ساخن للتبليغ عن الحادثة, وأن تكون هناك شرطة خاصة للتحقيق في الملابسات.
الاهتمام بالإنسان وحقوقه أهم ما توليه الدولة اهتمامها, وهو إحدى أولويات الخطط التنموية التي تنفق عليها مبالغ طائلة. إلا أن اهتمام الدولة بحقوق الأطفال الذين هم أصلا لا يستطيعون أن يطالبوا أو يسمعونا صوتهم أو مدى تضايقهم، يقابله أحياناً تهاون من بعض المواطنين أنفسهم وبعض المسؤولين الذين هم أصلاً جزء من المواطنين الذين تريد بهم الدولة خيرا, فيتهاون أو يتقاعس بعض المسؤولين في تنفيذ الرسالة الملقاة على عواتقهم ويستهينون بقيمة إخوانهم وأبنائهم الأطفال, وهو ما لا يرضى به ولاة الأمر, أو ينتهزون الفرص لاحتلال مناصب تنفيذية أو قيادية ليسوا أهلا لها بكل أنانية واستهتار بالمنفعة العامة بينما هم يعلمون أن هناك من هو أجدر وأحق بتحقيق المنفعة العامة للمجتمع. إن أساسيات حقوق الإنسان تعني توفير الأنظمة للبيئة القانونية والاجتماعية لحفظ المعيشة المناسبة لاحتياجات المواطن في البيئة المحيطة به سواء في المنزل أو في الفراغات العامة وبتوفير الراحة والأمان والهدوء والطمأنينة والرقي الحضاري في ظل وجود الخدمات الأساسية للحياة الحضرية, وهو هدف لن يتحقق إلا بتضافر جهود المواطن والدولة كل في أداء واجباته.
إن أفضل نعمة هي نعمة الوعي الحضاري والإحساس بالمسؤولية, وهي تختلف عن التعليم والانطباع الخاطئ بأن كل متعلم أو حاصل على شهادات علمية عليا يعتبر واعياً في سلوكياته مع إخوانه وأبناء فطرته. وأن نعاود النظر فيما أعددنا تخطيطياً لمستقبل أطفالنا الذين يعيشون ازدواجية حضرية الأولى تربوية تحت توجيهات والديهم في المنزل وبعضهم من الجيل القديم الذي شوهته سموم الطفرة بينما الأخرى ما يواجهها خارج المنزل من عالم آخر فيه منعطفات خطيرة تجعله يقف مشدوهاً ومشتت التفكير كطفل غير قادر على تصور ما سيؤول إليه مستقبله بعد حرب العولمة وتأثيرها فيه كعماد للمستقبل. والله وحده أعلم بمتطلبات هذا النشء ومنقلبهم الحضري وما يخبئه المستقبل لهم. ومتى نخلص أبناءنا من سموم العمالة الأجنبية والخدم في منازلنا ومحنة السائق الأجنبي الذي غزا بيوتنا وأصبح يستحل خصوصياتنا وينشر أوباءه الخبيثة وما تسببه من أمراض اجتماعية وتعذيب لنفسيات أطفالنا ستترك ترسباتها وعقدها النفسية لجيل المستقبل؟ فمتى نحاول أن نفهم هذه الظاهرة ونوليها العناية اللازمة؟ هل وفرنا لأطفالنا مدخرات من تراثنا العربي الإسلامي؟
يهتم معظم دول العالم بالأطفال وتربيتهم ورعايتهم ليصبحوا مواطنين صالحين وفاعلين في التنمية والتطوير والرفع من مستوى الدولة فيما يعود على الجميع بالخير والرفاهية. تضع بعض الدول خطوطا ساخنة أو مجانية للاتصال بمنظمات حقوق الإنسان أو غيرها من منظمات حفظ حقوق الأطفال. وتضطر الشرطة إلى التدخل وأخذ الأبناء من أولياء أمورهم بالقوة لتضعهم في مؤسسات أكثر صلاحية لتربيتهم.
أمنيتي أن أسمع قريبا عن قرار وقوانين وهيئة لحماية الأطفال والزوجات والخدم من التعذيب. وأن يتعاون الجميع سواء الشرطة أو الجيران أو الأقارب في التبليغ عن معذبي الأطفال. وأن يكون هناك مثل المرور السري، شرطة سرية لمراقبة السائقين حول المدارس والأسواق وغيرها من الأنشطة, وأن يكون لهم الحق في ذلك وفق قانون يسمح لهم بالتدخل, وأن يتم أخذ هؤلاء المعذبين بالقوة من أهاليهم بعد أن تتم تهيئة إصلاحيات أو دور حضانة لاستقبال هؤلاء الأطفال لمواصلة تربيتهم وسط بيئة وجو اجتماعي مناسب. ودعونا نستثمر مثل هذه القرارات في أبنائنا ليصبحوا قياديين أكثر تأهيلا.