الاقتصادات الخليجية والمزيد من التفاؤل!!

تجمع دول مجلس التعاون الخليجي الست مواصفات تجعلها فريدة في تركيبتها وبنيتها السياسية، والاقتصادية، والثقافية من خلال بيئة شبه متجانسة ماجعلها إلى التنافس أقرب منه إلى التكامل. مايلفت الانتباه في هذه المجموعة هو ارتفاع مساهمة القطاع التعديني والاستخراجي في الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى انفتاحها على الأسواق الخارجية بشكل كبير، كما أن القطاع النفطي غير متكامل مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى وبالتالي ضعف روابطه الاقتصادية الأمامية والخلفية. غير أنه من الممكن القول إن الاقتصادات الخليجية تُشكل منظومة فريدة في عقد إقليمي تتوجه الجهود الجبارة التي تبذلها حكوماتها من أجل التواصل الاقتصادي العالمي ككيان قادر على العطاء من خلال برامج تنموية إنتاجية اختطتها لنفسها تسهم فيها مع غيرها من الدول في المشاركة الفاعلة على جميع المستويات الأقليمية والأممية.
ومن ينظر إلى دولنا الخليجية وفي خلال فترة قصيرة، لاتعتبر مقياسا في أعمار الأمم، قُرابة خمسة عقود، يجد البون الشاسع بينها وبين الغير ممن سبقها بمسافات حضارية واسعة. فهي لم تعد كما يحلو للبعض نعتها بأنها ''بترولية''، مع العلم أن محاولات التحديث والتطوير تتم _ بعد الله _ بمساعدة الإيرادات المتحصلة من هذه المادة الخام ، ولاضير. هناك تحديات كثيرة تواجه اقتصاداتنا، منها الداخلي ويشمل التمويل الدائم للموازنة العامة وتخطيط التنمية، بحيث يشمل التقيد بتنفيذ المشاريع الإنتاجية المرسومة على الوجهة الصحيحة وبالتكاليف المعقولة. أما ما يتعلق بالشأن الخارجي، وبعيدا عن العوامل السياسية، يتمثل في المُشاركة الدولية الفاعلة من خلال خلق بيئة سليمة وأجواء صحية لبقاء النفط كمورد ورافد أساس من روافد الدخل الوطني وذلك بتخفيض استهلاكه داخليا من خلال بدائل يتم العمل على توفيرها، إضافة إلى مواجهة الضغوطات التضخمية العالمية المستقبلية عن طريق تأصيل وتحديد الأسباب بطرق علمية دقيقة. لا شك أن هناك كثيرا من التحديات التي تعاني منها كل الاقتصادات المُزدوجة في الغالب وبخاصة التي تعتمد على مصدر واحد للدخل كالنفط، حيث أفرز هذا الوضع قطاعا متقدما معزولا عن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى بسبب ضعف الروابط الأمامية والخلفية ماجعل بلدانه خاضعة لتقلبات أسعار المواد الأولية ومن ثم عدم حصول تغيرات هيكلية رئيسية. وفي محاولات لطرح بعض الخيارات الاقتصادية التصنيعية ومبرراتها القوية وخاصة البتروكيماوية، إلا أن هذه التطلعات تتطلب وجود طلب محلي أو خارجي عال يساعد الصناعة المحلية الناشئة على النهوض وتحقيق وفورات الحجم الكبير، بالإضافةً إلى المهارات البشرية والإمكانات القادرة على المساعدة في خفض التكاليف مع وجود رأس المال المادي وبذل الجهود الممكنة لتوفيره بشتى الطرق والوسائل. من حسن الطالع أن الدول الخليجية لديها ميزة قد لاتتوافر لكثير من الدول من حيث وفرة موارد الطاقة خاصة النفطية منها، ولذا فهي في موقع يسمح لها في بالتأثير في أسواق الطاقة بما فيها أسواق المنتجات البتروكيماوية، ففي المملكة على سبيل المثال تُمثل الصناعات البتروكيماوية تقريبا ضعف الصناعات القائمة. لا أحد يشك أن كل صناعة تواجه تحديات متنوعة من أبرزها قدرتها على التكيف في ظل المتغيرات الدولية الحالية من ناحية الطلب المحلي والعالمي والذي قد يتقلب من وقت إلى آخر إضافة إلى الاستمرار في تمويل التوسع في المشروعات الحالية والمستقبلية. ما يستحق التطرق له هو إمكانية التعامل مع الأوضاع المالية وكأن طفرة النفط ستستمر إلى ما لا نهاية وبالأخص ديمومة المشاريع الحكومية وصيانتها والتي تتطلب نظرة حكومية جادة من أجل تثبيت مبادئ الدخل الدائم من أجل النمو المتواصل، وعليه وجب ترتيب أولويات نقاش ضمن أجندة وطنية قائمة على تعظيم مكاسب الوطن واستمراريتها. مثل هذا التوجه سيجعل الدول الخليجية تعيد النظر في كثير من استراتيجياتها النفطية الاستخراجية وذلك من أجل المحافظة على النفط وإطالة عمره وتفعيل دورها على الخريطة السياسية من خلال خلق توازن سعري جديد يحقق المكاسب والاستقرار والعدالة لمستهلكيه ومنتجية. حيوية وفعالية الدول الخليجية في كونها بلدان فتية وقادرة على امتصاص تأثيرات الأسعار الخارجية في اقتصاداتها المحلية بحكم وفرة الموارد المالية وتعويض المُتضرر وقد يتم ذلك من خلال توجيه الموارد إلى القطاعات الإنتاجية مع تقليل التركيز على المشروعات ذات الصبغة الكمالية والترفيهية وبالتأكيد سيضع هذا مزيدا من القيود على الإنفاق الحكومي مع التركيز على نوعيته، ما يخلق بيئة عمل متوازنة تحقق النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته الاستقرار السياسي والتوازن الداخلي. ولعل التصدي لمثل هذه العقبات يتطلب جهداً كبيراً مع الأخذ في الاعتبار شح الموارد المالية المستقبلية مع زيادة الأعباء المالية الحكومية ما يتطلب البحث السريع والعاجل عن حلول تكاملية خليجية، فما ينطبق على دولة خليجية ينطبق على البقية. الدراسة الجادة لأي نظام ضريبي ذي مرونة عالية مطلب وطني وأمني في الوقت نفسه. وطني من ناحية تدبير موارد مالية مستمرة ومستقرة لتعزيز الرفاه ومواصلة المُنجزات، وأمني بحيث يُعاد توزيعه وتوجيهه إلى القطاعات القادرة على تحقيق معدلات توظيف عالية وهذه لا يمكن تحقيقها من خلال قطاعات خدمية بل إنتاجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي