العمل الحكومي ونظام الاحتراف
كلما استمعت أو قرأت طموح ورغبة بعض المسؤولين الحكوميين في تطوير مؤسساتهم الحكومية والارتقاء بها وبعملها، وتذكرت نظام الاستقطاب والحوافز في المؤسسة الحكومية، أُصاب بالإحباط لهؤلاء الطموحين الراغبين في الإصلاح والتطوير. وهذا الإحساس يبقى دائماً ملازماً لي مع كل جديد حول تطوير العمل الحكومي، ومنذ فترة وأنا أتأمل نظام الاحتراف الرياضي وقدرته على استقطاب الكفاءات الرياضية للأندية وتطويرها وجعلها أندية منافسة في مختلف البطولات، وكيف أن هذا الاحتراف وضع عديداً من الضغوط على اللاعب المحترف لتقديم كل ما لديه من فنون الكرة بما يخدم طموحات النادي ويجعله في مصاف الأندية العالمية، وفي المقابل الاستعداد المطلق للأندية لتقديم كل الدعم المادي والمعنوي الذي يتطلبه اللاعب من أجل الانضمام إلى هذا النادي أو ذاك.
نظام الاحتراف الرياضي نموذج للمعادلة الطبيعية بين القدرة والرغبة، قدرة اللاعب على تقديم النجاح والتفوق للنادي، ورغبة النادي في تحقيق ذلك النجاح والتفوق من خلال البحث عن الكفاءات الرياضية المتميزة التي تحقق أهداف النادي وطموحاته.
إن الاستنباط العقلاني الإداري السليم في نظام الاحتراف وتوظيفه لخدمة المؤسسات الحكومية التي تقوم على إدارة التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين، سيعكس الحالة النفسية لكل راغب في التطوير والتنمية من الإحباط إلى الإنجاز، وليس التفاؤل فقط بالإنجاز، ولهذا فإن أعظم إنجاز يمكن لنا أن نحققه لمصلحة تطوير مؤسساتنا الحكومية والخروج بها من مرحلة الانطواء والترهل والبيروقراطية، هو إيجاد نظام إداري مالي لاستقطاب الكفاءات وفقاً لنظام يوازي فكر نظام الاحتراف الرياضي ومفهومه، علماً أن الموظف المستقطب سيترك أثراً تغييرياً مهماً في عدد كبير جداً من الموظفين ويستثمر قدراتهم وإمكاناتهم، ويكون قدوة لهم أكثر من تأثير اللاعب المحترف في زملائه اللاعبين الهواة.
العمل الحكومي وأدوات تطويره يحتاجان إلى مراجعة جذرية، لكن الأهم هو الاهتمام بالتأسيس البنائي السليم من خلال استقطاب الكفاءات البشرية الإدارية المتميزة والمتفرغة لأداء العمل، بعيداً عن المصالح الشخصية والانشغال عن العمل الأساسي، وهو العمل الحكومي، إلى مصادر الرزق الأخرى التي تغطي النقص الكبير في قدرة القطاع الحكومي اليوم على تحقيقه من متطلبات الحياة الضرورية.
القطاع الخاص في المقابل استفاد من مفهوم نظام الاحتراف، أو ربما كل منهما استفاد من فكر الآخر، بحيث أصبح القطاع الخاص اليوم يبحث عن الكفاءات القيادية لتوظيفها في قطاعه، ويقدم لها كامل الحوافز والمغريات التي تجعل العامل المحترف يقدم كل ما لديه وأكثر من أجل مؤسسته التي يعمل فيها، وفي السياق نفسه يصبح العامل المحترف مطمعاً لكل مؤسسة تبحث عن النجاح والتميز، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع عدد العاملين المحترفين المستثمرين في أنفسهم من أجل المنافسة في سوق الاحتراف. ولعل بعضنا يعرف اليوم أن هناك وكلاء لبعض العاملين المحترفين مثلهم مثل اللاعب المحترف وأكثر، على أساس أن العامل المحترف ترتفع قيمته مع التقدم في العمر، بينما اللاعب المحترف تقل قيمته مع التقدم في العمر، كما أن المكاتب المعروفة باستقطاب العامل المحترف أو ما يسمى Headhunter، أصبحت اليوم تلعب دوراً أساسياً في دعم القطاع الخاص بالكفاءات المطلوبة وفقاً لمعايير اختبار وقياس تتوافق مع متطلبات كل وظيفة احترافية مطلوبة.
القطاع الرياضي والقطاع الخاص يعملان بشكل دائم وبديناميكية نحو الارتقاء بكفاءتهما وتطوير أدواتهما لتحقيق التنافس المحلي والإقليمي والدولي، وفي المقابل القطاع الحكومي ما زال يأمل في عصا مثل عصا موسى ـ عليه السلام ـ لإصلاح حاله ووضعه مع أنه حاول الخروج من شرنقة الإحباط من خلال إنشاء هيئات بنظام إداري ومالي يختلف عن المؤسسات الحكومية التقليدية، لكنه ـ مع الأسف ـ خروج مؤقت ومؤطر، وربما لا يحقق التنافس الإداري التنموي الحكومي المأمول، ولا يساعد على الخروج من الإحباط العام المؤثر في أداء المؤسسات الحكومية وتحقيق الرضا بين مقدم الخدمة والعميل.
المؤسسة الحكومية تحتاج إلى نظام استقطاب لبعض الكفاءات الإدارية والفنية القيادية في مواقع ذات تأثير في أدائها وعملها، بحيث يخرجها ذلك من حالة الإحباط والترهل التي تعيشها بعض قطاعاتها، خصوصاً القطاعات ذات العلاقة المباشرة بالمواطن والمقيم، وهذه القيادات الإدارية هي المكملة للعاملين الأساسيين اللذين تملكهما المملكة، المتمثلة في رغبة وإرادة ملكية قيادية صادقة في إحداث التغيير والتطوير الإيجابي، ووجود الوفرة المالية التي تم من خلالها اعتماد عديد من المشاريع، التي بعضها ـ مع الأسف ـ لم ير النور حتى تاريخه.
نظام الاحتراف الحكومي لاستقطاب الكفاءات، نظام يستحق التفكير فيه ووضع الأطر المنظمة له بما يخدم أهداف التنمية الحكومية، وإذا كان القطاعان الخاص والرياضي استطاعا ذلك، فإن القطاع الحكومي أولى وأقدر. بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل
ترى صليب الراس لوحدوه
ما ينثني لي عالت العيله
يالعن ابو رجل الى ضدوة
ما يرتكي للحمل ويشيله