خطوات جريئة في مسيرة التعاون الخليجي!
لا أخالني أجد نفسي في حيرة أكثر مما أجدها حين أقرأ عن مجلس التعاون الخليجي، فهو منذ تأسيسه في أيار (مايو) عام 1981، لم يُحقق الطموحات ولم يُقدم الكثير على الساحة السياسية والاقتصادية لدول المجلس الست. وتعمل بعض التكتلات سواء كانت سياسية أم اقتصادية أحياناً على إعاقة تقدم دول تلك التجمعات وقد تحد من حريتها في الانطلاق، ولا أقرب من ذلك إلا الدعوات التي بدأت في التبلور، متهمة الاتحاد الأوروبي بأنه أسهم في الحد من انطلاق بعض دوله وقيد تقدمها في عديد من المجالات الاقتصادية والإنسانية. فالحركة الفردية لكل دولة قد لا تتبعها تكاليف إضافية تتحملها لو لم تكن حاضرة في التكتل كالإنفاق الحكومي الإضافي في تمويل اقتصاد دولة من دول الاتحاد كالأزمة اليونانية على سبيل المثال. وهذا النوع من الالتزام قد يكون على حساب رفاهية مواطني الدولة ناهيك عن الإجراءات التنسيقية البطيئة لعلاج مشكلة طارئة، وبذلك تكون الدولة قد شغلت جُل وقتها وإمكاناتها على حساب تقدمها ورفاهيتها، إضافة إلى المناداة بإنهاء عصر اليورو وعودة كل بلد إلى عملته الأصلية. ومثل هذه الدعوات في اعتقادي لم تأت من فراغ، إنما بسبب وجود أدلة مادية ملموسة يدفع ثمنها أبناء مجتمع على حساب رفاهيته لصالح مجتمع آخر.
ومن تتبع مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص السنوات العشر الأخيرة، لم نجد ما يبرر عدم وجود خطوات مادية ملموسة، ولعل العملة الخليجية الموحدة هي العلامة الفارقة في مسيرته التي لم تحصل إلى الآن. لا مكان هنا لسياق مبررات من هو مع أو ضد العملة الخليجية الموحدة، فكلٌ له من القناعات ما يستطيع تبرير توجهاته بالطريقة التي يراها مناسبة. بيد أن المتتبع لا يجد أسبابا جوهرية لهذا التأخير، اللهم إلا القناعات بعدم جدواها فعلياً ولهذا وجب التأخير إلى قمم لاحقة علها تنضج وتأخذ الوقت الكافي للمراجعة ثم المراجعة. الخطوة الأولى، النفط والغاز، فدول الخليج مجتمعة تُشكل كتلة عالمية قوية لها من التأثير في مجريات السوق النفطية خاصة بعدما أصبح تأثير العمل الفردي محدوداً في عالم التجمعات، وعليه فإن تنسيق السياسات النفطية غدا ضرورة مُلحة ليتمكن التجمع الخليجي من لعب دوره المُناط به. وجود استراتيجية واضحة المعالم ومكتملة التنسيق بين دول المجلس سيكون لها حساب على الساحة الاقتصادية الدولية، لأن بقاء دول المجلس جزءا استهلاكيا فقط دون أن يكون لها دور في تحديد كميات وأسعار ما تنتجه، ستكون نتائجه المستقبلية وخيمة.
ومن خلال هذا المنظور، فالتجارة البينية الخليجية في حدودها الدُنيا بسبب تجانس النشاط الإنتاجي السلعي للدول الخليجية حيث إن مُعظم وارداتها من الخارج، وبناءً على هذه النتيجة لم تكن هناك خطوات جادة في حل هذه المعضلة من خلال توزيع النشاط الإنتاجي والاستثماري طبقاً لنظرية المزايا النسبية لكل دولة، والنتيجة هي تكرار وازدواجية المشاريع الاستثمارية والإنتاجية في دول المجلس ما يجعل هذه المشاريع ليست بالفائدة المرجوة، كما أن الأمر يتطلب توجيه بعض النشاطات الخدمية لتستفيد منها بعض الدول الأعضاء الأقل دخلاً ما يُعزز تحسين الظروف المالية لدول المجلس. التلكؤ وبشكل ملحوظ في تسريع وتيرة الإجراءات الاستثمارية والقانونية الوحدوية مع التنسيق التام في مجال الصناعات البتروكيماوية التي ستكون رافداً ماليا مهماً في حال انخفاض الإيرادات النفطية وستغدو المصدر الأول والمهم للمواد البتروكيماوية ما يجعلها في موقع تنافسي غير مسبوق وبذلك تتمكن من السيطرة على هذه السوق العالمية. تستطيع الدول الخليجية التأثير الجاد في مُجريات هذه السوق من خلال كارتل يضم الدول الخليجية مجتمعة، وستعم فائدته دول المنطقة المنتجة، والأهم من ذلك الحرص الشديد على إبعاد التوترات السياسية عن القضايا الوحدوية الاقتصادية والمالية. بيد أن محاولة ترطيب الأجواء بين دول المجلس قد لا تكون بذات الجدوى ما لم تكن هناك تغيرات دراماتيكية إيجابية على الجانب العملياتي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كمواطن خليجي تعجب من انقطاع الكهرباء في قائظة الصيف وفي إحدى الإمارات الخليجية، وبالنظر إلى ما تناولته وسائل الإعلام إن إمدادات الغاز قد توقفت ما نتج عنه انقطاع التيار الكهربائي وتعطل الأعمال الحياتية اليومية.
وفي اعتقادي أن دول الخليج عامة تتمتع بوفرة إنتاج الغاز، فلماذا اللجوء إلى الغير، حيث بالإمكان توفير مثل هذه السلعة المهمة! مثال آخر، كيفية التعامل مع الملفات السياسية الخليجية، حيث المُفترض تغليب مصالح دول الخليج الاقتصادية والسياسية بالدرجة الأولى، وبالأخص ما يتعلق بالملفات الاقتصادية المُتعلقة بالتعاون بين دول المجلس ودول الجوار سواء كانت صادرات أو واردات سلعية وخدمية وكذلك الملفات السياسية الساخنة وبالذات الحدودية وخلافها. معضلة دول المجلس النقص الحاد في الإمكانات التنسيقية الوحدوية على جميع الصُعد، فالاجتماعات التشاورية يُفترض أن تكون مرحلة لاحقة لما يتم الاتفاق عليه، ولذا وجبت سرعة تكوين لجان عُليا لديها القدرة والصلاحيات على رسم السياسات القابلة للتطبيق وبسرعة فائقة، لأن التأخير لن يكون في مصلحة دول المجلس. فالفرص المُتاحة اليوم قد لا تكون موجودة غداً.