عندما تخون الإدارة الإرادة

المتلازمة التنموية تبرز من خلال الاتحاد التنموي بين الإرادة والإدارة يعاضدهما وضوح الرؤية وحزم النظام، التقاء هذه الأركان الأربعة: الإرادة, الإدارة, وضوح الرؤية, وحزم النظام, تبرز الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة. ومن يعتقد أن هذه الأركان الأربعة غير ضرورية لتحقيق الاستقرار والانضباط التنموي فهو مخطئ في حق التنمية سواء كانت تنمية إنسانية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عمرانية, حتى إلى مستوى الاستقرار الوطني واستتباب الأمن على أساس أن استقرار الأمن واستتبابه, رأس التنمية السلمية في أي وطن مهما كبر أو صغر. إن الاختلال بين الأركان الأربعة اختلال يؤدي إلى تعثر التنمية المتكاملة والمتوازنة والشاملة.
تمثل الإرادة والإدارة أهم عنصرين في العملية التنموية, وتعدان المحركين الحقيقيين لتحقيق الرؤية الواضحة والانضباط النظامي, ولهذا فإن الخلل بينهما يؤدي إلى آثار سلبية في التنمية بشكل عام، والخلل هنا يمكن أن يحدث عندما تخون الإدارة الإرادة, بمعنى أننا نملك الإرادة الراغبة في الإصلاح والتطوير, لكن تقابلها إدارة ضعيفة أو غير مهتمة برغبة الإرادة, أو ربما معارضة لها ولفكرها ومنهجها ورؤيتها, وتكون الخيانة أعظم عندما تتصادم الإرادة مع الإدارة في ذات الشخص, بمعنى أن تخون الإدارة الذاتية الإرادة الشخصية في روح الشخص الواحد وقلبه. لقد تأملت هذه العلاقة العكسية الصعبة عندما تتصادم في ذات الشخص الذي يملك الإرادة القوية لتحقيق الذات وصنع المستقبل ثم تصطدم بإدارة ضعيفة تمنع تحقيق الإرادة القوية طموحها ورؤيتها، هذا التعارض الصارخ بين ذات الإنسان توجد فجوة كبيرة داخل الجسد والفكر والعقل الواحد ويؤدي به إلى حالة من انفصام الشخصية وازدواج القرار وتعدد الأوجه وضياع الرأي والعطاء.
راودتني فكرة العلاقة المتينة بين الإرادة والإدارة منذ زمن طويل, وكنت أرى في الإرادة القوية الدافع الحقيقي لتحقيق الإدارة الحازمة, وأن الإرادة إذا كانت تنطلق من رؤى وقيم وتطلعات عظيمة تكون الإدارة المحقق لها, خصوصاً عندما تجتمعان في ذات الشخص، إرادة قوية وإدارة حازمة، لكن مع تجارب الحياة بدأت تتضح لي أن مقولة إن العلاقة طردية ومتلازمة بين الإرادة والإدارة في ذات الشخص ليست صحيحة بمطلقها, لأن الإنسان يمكن أن يملك الإرادة, لكن لا يملك الإدارة الحازمة التي تحقق له ما تمليه عليه إرادته ويكون قويا في إرادته عاجزا في إدارته.
عندما لا تجتمع الإرادة القوية والإدارة الحازمة في ذات الشخص, فإنه يحتاج إلى البحث عن الإدارة الحازمة التي تحقق له ما تتمناه إرادته وفقاً لوضوح الرؤية وحزم النظام، وهنا تأتي الإدارة المتكاملة والشاملة التي يمكن تكوينها وفقاً لوضوح الرؤية وقوة الإرادة، ومع أن الإدارة مهمة في العملية التنموية إلا أن اتضاح الرؤية وعزم الإرادة يعد المحرك الأساسي لتحقيق التنمية من خلال البناء المؤسسي السليم لجهاز الإدارة ودعمه بالكفاءات الإدارية القوية التي تحقق التوازن مع الإرادة القوية، وهذه المعادلة التكاملية بين الإرادة والإدارة هو ما يعالج النقص في المنظومة التنموية العاملة وتحقق التحليق الخلاق في عالم التطوير الإيجابي ويحقق الرقي الحضاري والتنافسي العالمي بما يخدم الوطن أولاً ويعمل على إسعاد الإنسانية ثانيا.
هذه المعادلة التنموية بين الإرادة والإدارة حققت النجاح في عديد من دول العالم وأوصلتها إلى ما هي عليه اليوم من تقدم ورقي, ونحن في المملكة في أمس الحاجة إلى تعاضد الإرادة مع الإدارة داخل كل فرد منا وبيننا كأفراد ومسؤولين ومؤسسات في مختلف قطاعات الدولة، والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أن القيادة السعودية تملك الإرادة التي تدفعها وتدعمها للسعي نحو تطوير المجتمع, لكن الإدارة الممثلة في المسؤولين التنفيذيين هي في أغلب الأحيان العقبة التي تعوق أو تعرقل, أو تؤخر طموح القيادة في تحقيق التنمية المتوازنة التي تشمل الإنسان والمكان ومختلف مؤسسات الدولة وأنظمتها, وهذه الإدارة المعوقة هي ما يجب إصلاحها وتقويمها حتى تتواكب الإرادة مع الإدارة في ظل وضوح الرؤية وتطبيق الأنظمة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم
سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة مرهفا
قطعـت رجــــائي منـهم بــذبــــابه
فلا ذا يراني واقفــا في طــريقه
ولا ذا يـــراني واقفـــا عنــد بابه

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي