هل يسير أكبر حزب إسلامي إندونيسي في طريق الانفتاح؟
ورد في أحد التعليقات على إحدى المدونات كلام عن قرار اختيار حزب الرفاه والعدالة في إندونيسيا جعل أحد فنادق جاكارتا الفخمة مقراً لقمة قومية تم عقدها في الفترة الأخيرة '' أن ذلك سلوك نظيف، ومهتم، ومهني، ولكنه بعيد عن التواضع''. وكان الفندق المعني بذلك هو رتزكارلتون الذي كان أحد هدفي تفجيرات القنابل في تموز (يوليو) من عام 2009. والجدير بالذكر أن هذا هو أكبر الأحزاب الإسلامية في إندونيسيا، كما أن شعاره هو ''نظيف، ومهتم، ومهني''.
مما لا شك فيه أن هذا الحزب قطع أشواطاً طويلة من التطور منذ بداياته المتواضعة في عام 1998. وقد زادت تكاليف المؤتمر المذكور على مليون دولار أمريكي، كما يشارك فيه أربعة آلاف من أعضاء الحزب. وكان الموضوع الرئيس لهذا المؤتمر هو ''الانفتاح السياسي'' للحزب، حيث هناك تركيز على أن ''هذا الحزب للجميع''. وكان من بين المتحدثين في المؤتمر سفير الولايات المتحدة، وأستراليا. وتمت كذلك دعوة عدد من الشخصيات غير الإسلامية البارزة لحضور جلسات المؤتمر.
لقد جرى النظر إلى اختيار مقر المؤتمر في فندق قي خمسة نجوم، وتقديم شعار''الانفتاح السياسي'' للحزب، بالكثير من السخرية، والتعجب. غير أن ذلك لا يمثل سوى استمرار لاستراتيجية هذا الحزب منذ أيامه الأولى، وتطلعاته لكي يكون الحزب الأكبر. وكان قد حقق ما نسبته 1.36 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1999، ليحقق بعد ذلك قفزة كبرى تمثلت في حصوله على نسبة 7.34 في المائة من الأصوات في انتخابات عام 2004. وحين لم ينل الحزب سوى 7.88 من أصوات الناخبين في عام 2009، فإن ذلك كان بمثابة إشارة لمسؤوليه بأنه يمر في مرحلة من الإشباع.
كان اختيار مقر المؤتمر في الوقت ذاته دليلاً آخر على أن هذا الحزب لم يعد ذلك الحزب الذي يضم عدداً من الطلبة من شديدي الطموح قبل أكثر من عقد من الزمن. وبما أن هذا الفندق يمتلكه أمريكيون، فإن اختياره يشير إلى أن هذا الحزب ينأى بنفسه عن التصرفات التي تتم باسم الدين الإسلامي. وأما شعار ''الانفتاح السياسي''، فإنه يمثل الابتعاد الأشد وضوحاً عن كون الحزب يعتنق الأفكار الدينية المتشددة، ويضم مسلمين غير قادرين على التعامل مع أتباع الديانات الأخرى.
وقد صرح حلمي أمين الله، رئيس المجلس الديني لهذا الحزب، بأن التعددية هي بمثابة ''هبة من الله، وأن هناك تعددية، وليس هناك تطابق''. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى، فقد أكد الحزب دعوته إلى ضم أعضاء من غير المسلمين في صفوفه. ويعني ذلك أن التوجه نحو مزيد من الانفتاح أصبح عقيدة راسخة لدى زعماء الحزب، ولدى كثير من النخب في العاصمة الإندونيسية، جاكرتا. من المحتمل أن يؤدي هذا التوجه إلى رد فعل عكسي بسبب المقاومة الشديدة من جانب عدد من المتعصبين إسلامياً في المجالس المحلية لهذا الحزب، إذ من المتوقع أن يتخلى كثير من هؤلاء عن الحزب. وكان الحزب في سنواته الأولى موحداً بصورة قوية حول استراتيجيته السياسية، وأهدافه العقائدية. غير أن عضوية هذا الحزب توسعت، فكان من الطبيعي أن يصبح أكثر ميلاً نحو التعددية. وإن المعارك الداخلية بين الإسلاميين المتشددين، وغيرهم من المتحررين ظاهرة طبيعية في العام العالمي الإسلامي، بما في ذلك حزب عموم ماليزيا الإسلامي.
وفي الوقت الذي يثير فيه هذا التوجه صراعات داخلية، فإنه قد يجعل الحزب قادراً على تخطي نسبة الحصول على 10 في المائة من الأصوات لكي يحق له المشاركة في البرلمان، وجعله أحد أكثر ثلاثة أحزاب في البلاد، حيث كان ترتيبه الرابع بينها في انتخابات عام 2008. وأما مسألة تحقق ذلك، فتعتمد على مدى أصالة التحول في التوجه الرئيس لهذا الحزب، والمحافظة على ترابط أعضائه، وعلاقاتهم بالجمهور العام.
لقد كان موقف الحزب من التعددية الدينية بالغ الغموض في الماضي. وكان من بين أهم شروط العضوية القبول بهدف الحزب المتمثل في إعادة مسلمي البلاد إلى التمسك القوي بالدين. وتسبب هذا التوجه صراعات دينية متعددة مع كثير من الأحزاب الأخرى. ويعرف الخضوع إلى أفكار الآخرين، بأنه الغزو الفكري، أي انتشار أفكار الآخرين في العالم الإسلامي. ويدخل كل ذلك في صراع العقائد على المستوى العالمي. وكان أهم دعاة ذلك هو سيد قطب، مُنظر الإخوان المسلمين. وكان أعضاء هذا الحزب يرون في سنواته الأولى أن بعض اليهود، والنصارى، والملحدين كانوا يهدفون إلى هدم الشخصية الإسلامية، وإبعاد المسلمين عن دينهم. وكانت فكرة تدمير الإسلام تنسب في بدايات الحزب إلى ثقافات أخرى، كالثقافة الغربية، وكان دعم وحدة الفكر بين أعضاء الحزب هو الضمانة لمقاومة الغزو الفكري الأجنبي لديار المسلمين.
وكان هذا الحزب يروج بقوة في الماضي لمثل هذه الأفكار، ولعدد من الأفكار التي تنضوي تحت مبادئه. وبينما كانت كوادر الحزب تؤمن تماماً بفكرة مقاومة الغزو الفكري الخارجي، استطاعت القيادات وضع حد لكثير من الخلافات والنزاعات الداخلية، ودعت على الدوام إلى التفاهم مع الآخرين، وتقديم التنازلات حين يكون من المناسب ذلك. وقد أبلغ الأمين العام للحزب، أنيس متى، كاتب هذا المقال '' أننا حين كنا نشدد على أهمية مقاومة الغزو الفكري، حرصنا على تشجيع فهم الآخرين، والتحاور معهم''. وأضاف '' حتى حين يكون لديك شعور بالحرب، فإنك تحتفظ بقدرة على الحوار مع الآخرين في الوقت ذاته. وهذا الأمران ليسا متناقضين بالضرورة''.
من المتوقع أنه في الوقت الذي تستمر فيه قيادة الحزب في توجيه مزيد من الإشارات نحو الانفتاح، والحداثة، فسيظل هنالك حرص شديد على الهوية الإسلامية للحزب. ومن أمثلة ذلك أن قادة الحزب أيدوا بقوة القوانين التي تحرم عرض المواد الجنسية، حيث وصفوها بأنها ''منحة مقدمة من المجتمع الإسلامي''. وكانت هناك جلسات في مؤتمر هذا العام لم يسمح فيها بالمشاركة لغير أعضاء هذا الحزب. وتظل هذه الاعتبارات قائمة، كما أن الحزب يظل حريصاً على التخندق في المعسكر الرافض للفكر الغربي. وإن وجود شعارات كثيرة، مثل مقاومة الغزو الفكري، ستكون بمثابة تحديات كبيرة للحزب في محاولة الظهور أمام الأطراف الأخرى بأنه يتوجه من الناحية الفعلية، وبصورة جادة، نحو المزيد من الانفتاح والتحرر.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinionasia