حتى لا تضع هيئة السياحة إصبعها في عش الدبابير

توالت الدعوات من المعنيين بالسياحة، وكذلك من المستثمرين في القطاع الصحي الخاص في المملكة لفتح الباب للتأشيرات الخاصة بسياحة الاستشفاء، مستندين بذلك إلى مجموعة من الأسباب، منها أن المملكة تتميز بتنوّع مناخها وبيئتها الجغرافية، وهي تُعد كذلك من الدول الرائدة في تقديم خدمة العلاج، نظرا لوجود منشآت طبية ومتنوعة، وتقدم خدماتها العلاجية في مختلف المجالات، وبتكلفة أقل مقارنة بالدول الأخرى. وهناك من حدد فئة المستهدفين من هذه الخدمة بمواطني الدول المجاورة، بل وذهب البعض منهم إلى استهداف مواطني دول شرق آسيا والهند وباكستان.
وبالرغم من أنه ليست لدي أية مشكلة في مثل هذه الطموحات، فهي تبقى طموحات مشروعة، وأي قطاع ربحي يبحث عن زبائنه حتى ولو كانوا في المريخ، إلا أنه وتبعا للقول السائد حدّث العاقل بما يليق، فإن المنطق يقتضي أن تكون المعطيات التي تُوصل إلى مثل هذه النتائج سليمة وصحيحة، خاصة فيما يتعلق بكلفة العلاج في القطاع الخاص لدينا.
هذه الكلفة لا يجب أن نحسبها تأسيسا على السعر الفعلي للخدمة العلاجية المقدمة، وإنما على الفلسفة العلاجية التي يتبعها القطاع الصحي الخاص والقائمة على استنزاف جيب المريض فيما يجب وفيما لا يجب في كثير من الأحيان. هذا بالإضافة إلى الكُلفة الإضافية التي يتكبدها القادم للعلاج والمرتبطة بإقامته في المملكة لحين انتهاء فترة علاجه.
ومع ذلك، فالمشكلة لا تكمن في كل ما ذكرت، وإنما في توجه القطاع الصحي الخاص للاستثمار في السائح القادم من الخارج، وذلك بالرغم من أن هذا القطاع لم يحسن الاستثمار في الداخل، وأنا أستغرب مثل هذا التوجه بالرغم من أن التأمين الصحي على المواطن والمقيم هو خير استثمار لو أدرك القطاع الصحي الخاص أهمية توزيع خدماته العلاجية على مختلف مناطق المملكة واستثمر بشكل أفضل العلاقة مع شركات التأمين وشجع برامج التأمين الصحي على كل المواطنين.
أما بالنسبة للهيئة العامة للسياحة والآثار فمع تقديري للجهد الكبير الذي تقوم به وسعيها لفتح مجالات جديدة للسياحة في المملكة، ومع قناعتي التامة بأن مصطلح سائح بالنسبة للهيئة العامة للسياحة والآثار يشمل المواطن وغير المواطن، ذلك أن الهيئة معنية بالسائح السعودي في الداخل وكذلك السائح الأجنبي الذي يقصد المملكة، إلا أن القطاع الصحي الخاص ليس لديه نفس المفهوم، فالسائح بالنسبة له هو غير السعودي القادم للمملكة من أجل العلاج.
فالهيئة تريد منتجعات سياحية استشفائية وتطمح إلى استغلال المناطق ذات التميز الجغرافي والمناخي لإقامة منتجعات ومراكز علاج متميزة تُدخل ضمن قاموسها مصطلح الاستشفاء السياحي المعتمد على منظومة الخدمات السياحية المتكاملة والتي يستفيد منها المواطن السائح أولا، بينما القطاع الصحي الخاص عينه على من يأتي من الخارج حتى ولو جاء على نقالة أو عاد بتابوت فالمهم في النهاية هي فاتورة العلاج.
ختاما فإني أعتقد أنه من المهم جدا أن تُبين الهيئة للقطاع الخاص الفلسفة القائمة عليها خدمة الاستشفاء السياحي، ومعايير ومجالات الاستثمار فيها. فليس كل من جاء من الخارج مريضا ويطلب العلاج لدينا هو سائح. ثم أن هناك أولويات ينبغي مراعاتها بالنسبة للهيئة، ولا أعتقد أن سياحة الاستشفاء هي الهم الأول أو الشغل الشاغل للهيئة في الوقت الحالي.
كما أني لا أعتقد كذلك أن المواطن الهندي أو الباكستاني هو من ضمن أولويات القطاع الصحي الخاص، ولذلك أتمنى أن لا يكون عمل الهيئة مجرد إيجاد مبرر آخر لزيادة عدد الوافدين في المملكة بتأشيرات سياحة صحية دون وجود رؤية واضحة لهذا النوع من السياحة. وحتى لا نضطر بالتالي إلى تصنيف السوّاح الوافدين لدينا تحت بند سائح صحي وسائح غير صحي ومن ثم تختلط الأمور يجب أن تكون سياحتنا صحيّة 100 في المائة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي