المجتمع ودعم المبادرات الخلاقة

تعتبر المجتمعات الراقية الحاضنة الأولى لكل الأفكار والمفكرين أصحاب المبادرات الخلاقة، وتخصص بعض تلك المجتمعات الميزانيات التي تضمن توفير كل سبل العطاء المتميز لأصحاب الأفكار والرؤى التي تساعد على تحقيق التنمية والاستقرار الإنساني في مختلف جوانب الحياة، وعندما طرحت فكرة الحاضنات البشرية وأهميتها في رعاية الأفكار المتميزة وأصحابها ومبادراتهم تلقيت العديد من المداخلات المباشرة وغير المباشرة حول أهمية الحاضنات البشرية، ولكن ما لفت نظري بشكل لن أقول مفاجئ ولكن مؤلم هو عدد من رسائل البريد الإلكتروني والجوال من أشخاص تعرضوا لمضايقات مجتمعية مباشرة، سواء من أفراد من أسرهم أو من بعض المسؤولين، ومنهم مسؤولون مؤثرون عملوا على قتل أفكارهم وسرقة بعضها, حتى إن إحدى المداخلات أوضح صاحبها كيف أن المجتمع يحارب الناجحين وأفكارهم، ويوجد كل سبل الإعاقة في طريقها وطريق أصحابها، وفي اعتقاد صاحب وجهة النظر أن السبب الأول هو الغيرة من الناجحين، أما الأسباب الأخرى فمنها الخوف من المبدعين وقدرتهم على التغيير في المجتمع، وهو ما يحاربه أصحاب المصالح الخاصة الفاسدة إلى آخر ما ذكر في بعض تلك المداخلات.
لقد أثارت تلك المداخلات السؤال الأساسي والمهم في معادلة دعم المفكرين والمبدعين والمصلحين وتوفير الحماية والرعاية لهم ولأفكارهم، وجعل تلك الرعاية والحماية الرسالة المباشرة والصادقة في وجهة أرباب الفساد وعملائهم، وأن تكون تلك الرعاية والحماية مثل الصوت الصادق المؤكد أننا مجتمع بمختلف مؤسساته وأفراده ومدنه وقراه نحمي الإبداع وأصحاب المبادرات الإصلاحية المباشرة وغير المباشرة، وأننا نعمل جميعاً نحو تحقيق أهدافهم ورسالتهم، ونؤكد في الوقت نفسه أننا المستفيدون الأولون من هذه المبادرات الإصلاحية لآثارها العظيمة علينا، وعلى الأجيال القادمة في المملكة العربية السعودية بشكل خاص، وعلى النظرة العالمية نحونا كسعوديين وعربا ومسلمين، نظراً لما نمثله من نموذج وقدوة للجميع.
دور المجتمع بمختلف أفراده ومؤسساته عليه مسؤولية دينية ووطنية مهمة وعظيمة نحو حماية المبادرات الخلاقة وأصحابها ومبادرات الإصلاح، ومن يقف خلفها، وعدم ترك المعارضين لها للقيام بالمناورات والدسائس والأكاذيب المباشرة وغير المباشرة، وباستخدام مختلف الوسائل لإضعاف قدرة المصلحين وتحجيم دورهم، وبقتل أصحاب الأفكار الخلاقة المغيرة نحو الأفضل، وهذا بدوره يفقد جميع أفراد المجتمع ومؤسساته فرصة التطور والارتقاء نحو العالم المتقدم بإنسانه ومكانه.
إن الاستماع لحديث العديد من أصحاب التجارب الإنسانية اليوم وممن يعدون من أصحاب الفكر المتطرف في السابق ممن لم يتوافر لهم الاتصال بالمجتمعات الأخرى في بداية حياتهم ونظرتهم القاصرة لعديد من الأمور الاجتماعية، وكيف أنهم انجرفوا خلف كثير من المواقف المتشددة، وبعد أن اختلطوا بالمجتمعات المحلية والإقليمية والعالمية اتضح لهم خطأ مواقفهم السابقة، وأنها لم تكن تتفق من المرحلة الحالية لمتطلبات المجتمع والنظرة الإسلامية الشاملة الصالحة لكل زمان ومكان، هذه المواقف المتغيرة مع تغير الظروف والمجتمعات والأماكن تبرز الفكر النيرة لمثل هؤلاء المؤثرين في مجتمعاتهم وقدرتهم على فهم المتغيرات المحلية والعالمية، وهو ما نحتاج إليه مع أصحاب المبادرات والأفكار الخلاقة بمعنى أن نعطي المساحة الكافية لهم لإبراز إمكاناتهم وقدراتهم بما يحقق التطور لأفراد المجتمع ومؤسساته كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي