العمل والسلام مع الذات
العمل مهما كان نوعه وقطاعه يجعل العامل فيه في رحلة صراع دائم مع الذات أولا ثم مع الآخرين, ويزداد ذلك الصراع شراسة وصعوبة عندما لا تكون بيئة العمل داعمة للعطاء والتطوير. وفي المسيرة العملية لأي عامل نرى تلك الأزمات التي يتعرض لها, وكلما كانت المسؤولية أكبر كانت الضغوط والمشكلات والصراعات أكبر وأشرس, ولا يكلف أي شخص بعمل ذي مسؤولية كبيرة إلا نجد المقربين منه يعزونه في صحته, وكيف أن مثل هذه المسؤولية ستحمل معها الأمراض المزمنة من ضغط وسكري وأمراض قلب وقولون إلى آخر القائمة المرضية المعروفة.
أطباء الصحة النفسية يحذرون من كثرة ضغوط العمل وآثارها السلبية في الصحة النفسية ثم البدنية ويقدمون العديد من الحلول للحد من الآثار السلبية لضغوط العمل, ومع أن الحلول التي يقدمونها تجد بعض القبول وتترك شيئا من الأثر الإيجابي إلا أن أغلبها يتحول إلى مشكلة أو مصيبة أكبر, خصوصا ما يتعلق منها باستخدام المهدئات والمسكنات, وهي ما يجعل الإنسان رهنا لها ومدمنا عليها وغير قادر على العيش من دونها.
خلال سنوات طويلة من العمل المضني والمتأرجح بين الصعود والهبوط والإنجاز والإحباط وازدياد حجم الضغوط العملية والاجتماعية والأسرية يكون البحث عن العصا السحرية التي تساعد الإنسان على الخروج من تلك الأزمات وتمنحه القوة واستمرار التفوق والعطاء والتميز مع تحقيق الراحة النفسية والاستقرار الذاتي والأسري والاجتماعي, ومن هنا تبرز أهمية فكرة السلام مع الذات.
السلام مع الذات فكرة قد تبدو للبعض فكرة غير واضحة, وقد يسأل البعض عن متطلباتها وسبل تحقيقها, والحقيقة أن هذه الفكرة تولدت خلال مراجعة سنوات من العمل والتزاماته والأسرة ومتطلباتها والمعيشة وصراعها والمجتمع والعلاقة به, وبرزت أكثر مع تعقيدات الحياة من جهة وضغط الالتزامات من جهة أخرى, وهو ما تطلب البحث عن وصفة سحرية يستطيع معها الواحد منا أن يعمل ويصارع ويبحث عن النجاح والتميز دون أن يتأثر من ضغوط العمل السلبية أو محاولات البعض إيجاد العقبات التي تدخل إلى النفس فتحبطها حتى لو كانت من أقرب الناس إلينا. ولعل خير مثال يمكن أن أطرحه هنا ما يحاول البعض أن ينقله مما يقال مع من لا نتفق معهم في الرأي أو أسلوب العمل, فيأتي مثل ذلك الشخص وربما يكون صديقا أو قريبا فيقول إن فلانا قال عنك كذا وكذا, مما قد يسيئك ويجعلك تغضب وتتنكد وربما يصادف ذلك النقل يوم أربعاء, بمعنى أنك تعيش نهاية الأسبوع وأنت تتألم مما قيل عنك وترسم الخطط والاستراتيجيات التي ستفعلها لمن ذكرك بسوء, وبهذا نفقد الفرصة للراحة في يوم الإجازة ويبدأ الأسبوع بِهم وغضب والسعي إلى الانتقام على أن العرب تقول في ذلك ''ليس من سبك هو من سبك لكن من نقل إليك قول من سبك'', لأن الناقل هو من أساء لك وليس من سبك في غيابك وهذا الناقل سواء كان صديقا أو قريبا فإنه أقرب إلى العدو وينطبق عليه أيضا قول العرب ''عدو عاقل خير من صديق جاهل'', لأنه لو لم ينقل لك ما قيل عنك فإنك تعيش نهاية أسبوعك بسلام وربما صرفت الوقت في وضع ورسم الخطط والاستراتيجيات التي تطور الذات والعمل وغيرها من الأفكار الإيجابية.
والحالات المشابهة لمثل هذا المثال كثيرة في حياتنا العامة والخاصة ومحاولات بعثرة الفكر والقدرة على العطاء تأتي أيضا من أشخاص لا يريدون التطوير والتغيير ومحاربة الفساد لأنهم يعلمون مسبقا أن أي تطوير وتنظيم يقضي على المساحات التي تسمح لهم باستغلالها وجعل بعض المؤسسات العامة مثل الشركات الخاصة يتصرفون فيها كيفما يشاؤون, ولهذا يحاولون تصيد الأخطاء وتعظيمها لإرباك الطرف الآخر, خصوصا مع استخدام وسائل التقنية في الاتصال والتواصل.
إن السلام مع الذات وجعلها تعمل وفقا لما يساعدها على العطاء والإنجاز والتطوير دون الالتفات إلى المضايقات كبيرها وصغيرها, وعدم جعلها تعيش مرحلة من القلق والحروب غير الحقيقية ذات التأثير السلبي في عطائها, هو السلاح الحقيقي لجعل العطاء أميز والراحة أفضل والتواصل مع المجتمع أقوى.
وقفة تأمل
''ضحكت .. فقالوا: ألا تحتشم
.. بكيت .. فقالوا: ألا تبتسم
بسمت .. فقالوا: يرائي بها
.. عبست .. فقالوا: بدا ما كتم
صمت .. فقالوا: كليل اللسان
.. نطقت .. فقالوا: كثير الكلم
حلمت .. فقالوا: ضعيف جبان
.. ولو كان مقتدرا لانتقم
بسلت .. فقالوا: لبطش به
.. ولو كان مجترئا .. لحكم !
فأيقنت أني مهما .. أرد
.. رضا الناس لا بد من أن أذم!