حقوق الإنسان بين المناطقية والقبائلية

قد يبدو للوهلة الأولى أن ليس ثمة علاقة بين طرفي المقال، وأنه إقحام لموضوع حقوق الإنسان في أتون المناطقية والقبائلية، لكن المقلب لصفحات التاريخ سيجد أنه ما من صراعٍ نشب على وجه الأرض إلا والمنطقة أو القبيلة أو العرق فتيلاً وباروداً لذلك النزاع أو الصراع هذا على مستوى المشهد السياسي وحركة التاريخ وتقلبات الدول.
لو كنت من مازن لم تستبح إبلـي
بنو اللّقيطة من ذهل بـن شيبانـا
إذن لقام بنصري معشـر خشـنٌ
عند الكريهـة إن ذو لوثـةٍ لانـا
قوم إذا الشرّ أبـدى ناجذيـه لهـم
طاروا إليـه زرافـاتٍ ووحدانـا
لا يسألون أخاهـم حيـن يندبهـم
في النائبات على ما قال برهانا

أما على مستوى الاستقرار والحراك المدني والاجتماعي فنجد أن المناطقية والقبائلية تشكلان تهديداً للحقوق المدنية والسياسية للإنسان، فحق الحياة وحق العدل وحق المساواة على سبيل المثال لا الحصر مهددة روحاً ومضموناً بتداعيات هذه المناطقية وتلك القبائلية، وتأملوا معي حق الحياة الذي نادت به الشرائع السماوية والعقول السوية والقوانين الوضعية وكيف أن القبائلية في بعض صورها المتطرفة تشكل خطرا محدقاً على هذا الحق وإن شئتم مزيد بيان فتصفحوا الإنترنت وشاهدوا مواقع القبائل وتحديداً منتدى مآثر القبيلة وفرسانها وانظروا كيف ينبش الماضي الأسود بمعاول التقنية وحسبكم بهذه مفارقةً!
والمضحك المبكي أنك تجد إعلان (بنر) في أعلى الصفحة ذاتها ''ساهموا في عتق رقبة فلان بن فلان'' الذي تورط في قتل مسلمٍ عمداً، فلا غرو وتلك هي المدخلات أن تكون هذه هي المخرجات!
وإني أعتب أشد العتب على إحدى القنوات الشعبية التي كانت تذيع في رمضان وقبيل الإفطار – وسلم لي على الروحانية - برنامجاً بعنوان بطولات من الصحراء! أي بطولات هذه التي بنيت على أجساد وجماجم المسلمين، وفي ظني أن ثمة فرقا بين الشجاعة والبطولة فالشجاعة قد تكون في الحق والباطل، بينما البطولة لابد أن تكون في سبيل الحق! والمفارقة الأخرى استبدال هذه الشريحة الأدنى بالذي هو خير كاستبدال بني إسرائيل المن والسلوى بالبصل والعدس، فنحن نرفل في الأمن والأمان وهؤلاء يجترون حقبة تاريخية عارٌ علينا جميعاً!
والحق أن الاستهانة بالدماء مسلك جاهلي نرى تداعياته في جرائم القتل والطعن والمشاجرات التي تحدث أمام المدارس وغيرها من تجمعات الشباب!
خذوا نموذجاً آخر في خطورة المناطقية وزحفها الخطير على نسيجنا الاجتماعي فتداعياتها وتطبيقاتها في المشهد المدني والاجتماعي تصادم حق الحياة الكريمة وحق العدل وحق المساواة فتهميش شريحة كبيرة من الناس لا ينتمون لهذه المنطقة أو تلك ولا سيما في الوظائف العامة والقيادية، كما أن غياب -أو بعبارة أدق - تغييب المعايير إلا اللهم معايير المنطقة يصادم بشكل صارخ مبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي يصادم العدل المساواة، وإن تكدس أبناء بعض المناطق في بعض الجهات نتيجة وجود بعض أبنائها البررة في تلك الجهة! يثير علامات الاستفهام! إننا في حاجة ماسة إلى وضوح المعايير، معايير التوظيف والترشيح... إلخ، كما أننا في حاجة إلى تفعيل مبدأ الشفافية والمساءلة، وإن كان في الإسلام مبدأ من أين لك هذا؟ في موضوع المال والنزاهة فليكن بجانبه مبدأ لماذا أتيت بهذا؟ في نزاهة الاختيار للرجال والمناصب!
هذه تباريح من قلبٍ مشفق يرى جنوحنا نحن العرب والمسلمين نحو التشظي والفرقة في حين يرى العالم من حولنا يزداد تكتلاً واتحاداً!
ودمتم في صحة وأمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي