يومنا الوطني وتقويم الأداء

الانتماء الوطني والإحساس بأهمية المواطنة والارتباط الإنساني والمكاني بالوطن لم يعد خيارا شخصيا في ظل تطور الأنظمة المنظمة للعلاقة بين الفرد والمكان, فمع تغير الظروف المكانية وحرية الحركة من دون هوية في السابق, أصبحت الهوية اليوم أهم من الشخص نفسه, فمن دون الهوية التي يجب أن يحملها كل واحد منا سواء داخل الوطن ''الهوية الوطنية'' أو خارجه (الجواز) يصبح مهما كان اسمه أو رسمه أو أهله أو علمه أو عمله نكرة لا أحد يعرفه أو يعترف به دون هويته المحلية والدولية, هذا التغير العالمي نحو الأفراد أوجب إعادة النظر في الانتماء المكاني (الوطن), بمعنى أصبح لكل واحد منا وطن ينتمي إليه ويعتز به, هذا الاعتزاز يتطلب حسن الأداء وتحمل المسؤولية أمام العالم أجمع حتى يعتز كل واحد منا بوطنه وانتمائه وتميزه بين الأوطان.
إن الاهتمام باليوم الوطني والتأكيد على أهميته والاحتفال والاحتفاء به وإبراز الجهود المقدمة لمصلحة الوطن والجهود المطلوبة لتأكيد ذلك العطاء, تتطلب وجود برنامج يرصد ما تم اعتماده من مشاريع تنموية في مختلف مناحي الحياة ومتابعة تنفيذها وتنفيذ البرامج المرتبطة بها, هذا البرنامج الوطني, الذي يعتمد على جعله من أهداف اليوم الوطني, هو مراجعة للإنجازات ومعالجة السلبيات والقضاء على الشائعات والاتهامات للعاملين في مختلف قطاعات الدولة.
المملكة وهي تحتفل وتحتفي باليوم الوطني الـ 80 من عمرها المديد قدمت وتقدم خلالها آلاف المشاريع لخدمة أبناء الوطن, هذه المشاريع والبرامج التنموية التي تهتم ببناء الإنسان وتنمية المكان تحتاج منا إلى التأكد من أنها تسير وفقا للرؤية التنموية الطموحة للقيادة السعودية, ولهذا فإن وضع برنامج لتقويم الأداء ومراجعة الإنجاز من خلال خطة سنوية يكلف بها فريق لا تربطه أي علاقة أو مصالح بالمشاريع أو القائمين عليها, بحيث تنطلق مرئياتهم ومقترحاتهم وتقويمهم من مصلحة الوطن ولمصلحة المواطن وفقا لمعايير مراقبة وتقويم التنفيذ والأداء. ولعلنا جميعا نعرف الجهود المباركة التي يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده من نشر للتنمية في مختلف مناطق المملكة, وحرصهما ــ يحفظهما الله ــ على وصولها إلى المواطنين في مدنهم وقراهم من خلال استراتيجيات تنموية وخطط خمسية لتحقيقها, ومن هنا يأتي مفتاح تقويم الأداء والإنجاز ومتابعة التطوير, حيث تمثل الخطط الخمسية للدولة المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة, هذه الخطط مع الجهود التي تقدم لها لم تستطع أن تحقق ما نصبو إليه جميعا, وهو ما يتطلب معرفة الأسباب بكل صراحة وشفافية لمعالجة الخلل, ثم هناك المشاريع العملاقة التي تحقق التنمية المتوازنة, وتسعى إلى نشر خيرها في كل المدن والقرى ومنها إنشاء الجامعات, وما يتطلبه ذلك من متابعة وتقويم يتم التأكد من خلالها على إنجاز المشاريع الجامعية وبرامجها الأكاديمية وعدم ترك وزارة التعليم العالي مثلا ومديري الجامعات يواجهون التحديات والمشكلات والمعوقات وحدهم, خصوصا إذا عرفنا حجم العمل وانتشار الجامعات خلال سنوات قليلة, ثم إن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا المؤمل منها أن تكون منارة لنشر العلم المعرفي, وما بذل من جهود خارقة لإيجادها, وما يتطلبه الأمر من التأكد من تحقيقها أهدافها, خصوصا مع ما تتعرض له من ملاحظات من بعض من لهم صلة بها وإثارتهم لعدم قدرة مسؤوليها الأكاديميين على تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين لها بسبب بعض المعوقات الإدارية الإجرائية, ثم هناك المدن الاقتصادية وما يمكن أن تحمله من خير للحيز المكاني الوطني ولإنسان المملكة, وما تحققه من فرص تنموية وفرص عمل, هذه المدن التي ما زال الجميع ينتظر خيرها وما تصاحبها من محاولات تشويه لجهود العمل فيها وإثارة التهم للعاملين فيها, وكذلك موضوع الاستثمار الأجنبي, وفي المقابل الآخر هناك مشاريع تنموية, تعليمية وخدمية وصحية تم رصد مليارات الريالات من أجل تنفيذها تتعرض أغلبيتها لمعوقات كثيرة لا يمكن أن تعالجها المكاتبات والمراسلات بين المؤسسات الحكومية وغيرها, إنما تتطلب تحديد الخلل والعمل على علاجه وإنجازه.
إن المتأمل للتنمية السعودية وما تحاول القيادة السعودية تحقيقه من إنجازات لخدمة مواطن المملكة, ليأمل ألا يقف أي سبب أو شخص أو مصلحة خاصة أو ضعف أداء في طريق تحقيقه, وفي المقابل ما يحاول بعض المخلصين المحبين لهذا الوطن تقديمه من جهود لا يقف معهم أحد غيرهم, يتطلب إيجاد برنامج يهدف إلى تقويم الأداء وتطوير العمل وشكر العاملين ومحاسبة المقصرين وعدم ترك الأمور للمراسلات المخاطبات والمجاملات التي تفقدنا فرصة التنمية الحقيقية البانية للإنسان والمنمية للمكان. وكل عام وأنتم بخير وجعل الله يومنا الوطني يوم عطاء وإنجاز وتطوير وتقويم، بارك الله في الأيدي التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء عربي اللسان, إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي