«العمل» .. رحل وزير وجاء وزير .. فماذا نتوقع من تغيير؟

رحل وزير العمل غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ وعين وزير العمل عادل فقيه ــ وفقه الله، رحم الله الراحل وأعان الله المعيّن. عند سماعي قرار التعيين للمهندس عادل لم أتمالك إلا الدعاء له بالتوفيق والسداد، وسبق أن دعوت له الدعوة نفسها عند تعيينه أميناً لمدينة جدة، فبعد النجاحات المتعددة في مجموعة الشركات الناجحة ''صافولا''، وابتلائه بمواجهة الإحباطات المتناهية النظير في الأمانة، ومجابهة الفساد الذي استشرى فيها ظاهراً جاهراً، يتم تكليفه بقيادة مسيرة العمل في المملكة, وهي مهمة أصعب من سابقتها بمراحل.
لقد نجح المهندس عادل في تأسيس وقيادة المرحلة الذهبية في ''صافولا'', حيث جعل من هذه المجموعة باقة من أنجح الشركات السعودية من حيث النمو والربحية والإضافات المتعددة للناتج القومي. لقد جعل من ''صافولا'' مجموعة عملاقة في الصناعة والتجارة, فهي تسيطر اليوم على صناعة الزيوت وصناعة السكر عربياً, وتمتلك أكبر مجموعة لتجارة التجزئة في منطقة الشرق الأوسط. بالطبع لم يكن المهندس عادل وحده, وهذه واحدة من مزاياه, فقد أسهم في خلق جيل من القيادات في الشركة، وأرسى فيها العديد من المفاهيم الإيجابية الخلاقة، ولم تكن هذه التجربة خالية من الأخطاء, ولا أبالغ عندما أقول إنها ثرية بالأخطاء, وكلمة ''ثرية'' أكثر تعبيراً من غيرها في هذا المقام، حيث أرسى المهندس عادل ثقافة التعلم من الأخطاء، بمعنى بذل الجهود واتخاذ القرار والاعتراف بالخطأ والتعلم وعدم تكراره، وهي الثقافة الأقل تطبيقاً في مجتمعنا السعودي.
لقد كانت تجربة الأمانة للمهندس عادل هي الأولى له فيما أعلم في القطاع الحكومي، وهي تجربة مريرة, لكنها مهمة للتعلم في الشأن الحكومي ودهاليز البيروقراطية الحكومية، وأعتقد أن المهندس عادل تعلم العديد من الدروس من تلك التجربة ومن أبرزها ما يلي:
ــ تعلم المهندس عادل خلالها أن نظريات العمل القابلة للتطبيق في مؤسسات القطاع الخاص لا يمكن تطبيق معظمها في الجهاز الحكومي.
ــ تعلم المهندس عادل من تلك التجربة أن الفساد حينما يكون منظماً ومستشرياً في الجهاز الحكومي فلن يكفي لتنظيفه وتنقيته أن يتم تعيين قائد ناجح ومتفوق على رأسه!
ــ تعلم المهندس عادل أن الفساد الإداري الذي يعشش في الجهاز الحكومي قد لا تكفي دورة واحدة مدتها أربع سنوات لإصلاحه! بل قد لا تكفي حتى لإزالة مظاهره وتجميل شكله!
ــ تعلم المهندس عادل الفرق بين مجلس الإدارة والجمعية العمومية في القطاع الخاص وبين وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية في القطاع الحكومي.
ــ لقد تعلم المهندس عادل أنك حتى لو كنت موظفاً حكومياً بمرتبة وزير فقد لا تستطيع أن تفصل موظفاً متسيباً مهملاً كسولاً غير منتجٍ حتى لو كان هذا الموظف بمرتبة خفير!
ــ تعلم المهندس عادل أن نجاح القطاع الخاص وفشله في الغالب تتم السيطرة عليه من داخل الشركة، بينما في الجهاز الحكومي الذي تقوده فإن نجاحك وفشلك في الغالب مبني على عوامل خارجية, فهناك المرجعية الأعلى، وهناك وزارتا المالية والخدمة المدنية، تضاف إلى ذلك الأنظمة والثقافة العامة تجاه جهازك، ولا أنسى جماعات الضغط وأصحاب المصالح الذين يرون أي تحرك تجاه مصالحهم خطأ جسيما حتى لو صلح المجتمع كله بسببه.
ــ الأهم من ذلك كله أن المهندس عادل تعلم أن إطلاق الأحكام والتنظير من خارج الجهاز الحكومي يختلف تماماً عن إدارته والغوص في أحجياته، أشبهه كالفارق بين الجماهير خلف الشاشات واللاعبين في الملعب ومدربهم على خط التماس.
معالي الوزير . . مهمتك السابقة انتهت والحكم فيها للجمهور، ومهمتك الجديدة بدأت والحكم فيها سيكون للجمهور أيضا، الفرق بين المهمتين أن بإمكانك أنت وأنت وحدك أن تصنع الفارق في مهمتك الجديدة لك أو عليك، التحديات في الوزارة أكبر بكثير من الأمانة، ومرجعيتك هنا ليست للوزارة, لكنها إلى أعلى سلطة في المملكة, إنها للملك، وجمهورك هنا ليس سكان مدينة واحدة في المملكة, إنما أبناء هذا الوطن جميعاً، والتحديات التي أمامك كثيرة، أبرزها ــ في رأيي ــ دون الدخول في تفصيلاتها:
1 ــ ملف السعودة.
2 ــ ملف البطالة.
3 ــ ملف التأشيرات.
4 ــ ملف العمالة الأجنبية وانتشارها غير الشرعي.
5 ــ ملف عمل المرأة، وفي رأيي, أهم منه عمل الرجل.
6 ــ المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
7 ــ التأهب للسيول المتوقعة من الخريجين في السنوات المقبلة.
8 ــ أداء التعليم الفني والتدريب المهني.
9 ــ ثقافة العمل لدى الشباب السعودي.
10 ــ ملف التنسيق مع الوزارات ذات العلاقة وأهمها وزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي ووزارة التجارة والصناعة.
11 ــ أداء مكاتب العمل والاستقدام وموظفي الوزارة.
سمعتك تسبقك معالي الوزير، نجاحاتك في ''صافولا'' شاهدة لك وننتظر نجاحات مماثلة في الوزارة، وأذكرك بأن مدة تعيينك أربع سنوات، بعدها سيكون الحكم للجمهور، وقبل الجمهور سيكون الحكم في عملك لله ــ سبحانه ـــ، فالأمانة ثقيلة وقد أتعبت من قبلك.
حسبي أنه يكفيك من تعيينك وزيراً للعمل أنها شهادة براءة لك من أعلى سلطة في المملكة من قضايا فساد الأمانة التي تسببت في فضيحة السيول الحج الماضي، وهذه البراءة لم تأت بتصريح أو بحكم محكمة، لكنها جاءت بتكليف أهم منصب وأعلى ترقية وكأنها وسام ومرتبة شرف وشهادة لمصلحتكم من الملك شخصياً من حيث الأمانة والاستقامة والكفاءة.

أخيراً .. أنورت الرياض بقدومك معالي الوزير .. دعائي لك بالتوفيق والسداد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي