منشار السوق ... من يكون؟

<p><a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com
المنشار أحد أقدم الاختراعات التي أبدعها الإنسان، وهو بلا شك أداة نفع وفائدة لمستخدميه، وقد تطور على مر التاريخ فتعددت أشكاله وألوانه وتحول من آلة يدوية بسيطة مهمتها الوحيدة قطع الأخشاب إلى جهاز ميكانيكي يقطع الحديد والصلب والألماس، وتطور ليصبح ماكينة كهربائية تصل ضخامتها إلى قص الجبال، وجميع استخدامات المنشار سالفة الذكر نافعة ولا شك.
مع كل ذلك عندما نريد تجريح شخص ما .. نصفه بالمنشار "طالع واكل نازل واكل"، فهو طماع غير عادل يأكل أموال الناس من الضعفاء غالباً، وكل ذلك بالقانون وطبقاً للنظام وتمشياً معه، بل إن النظام قد يحميه! والغريب في الأمر أن الناس يستمرون في التعامل معه إما لأنه ليس له بديل أو منافس أو لأن البديل أصعب وأسوأ خياراً منه.
منشار السوق الذي سنتحدث عنه اليوم ليس آلة صغيرة بسيطة وليس ماكينة كهربائية وإما ميكانيكية صماء ولكنه جهاز ضخم يعمل فيه البشر ويستخدم فيه أفضل البرامج الإلكترونية ويتعامل مع أكثر الأمور حساسية. . . نعم أنها صناديق البنوك، وهي بلا شك من النوع الأول من المناشير النافعة، فهيئة سوق المال والمحللون العقلاء والكتاب الصحافيون (وأنا أحدهم أو متطفل عليهم) ينادون بتعامل صغار المساهمين مع صناديق البنوك، فهي أكثر خبرة منهم وأكثر تمرساً وقدرة على التحليل ويُفترض فيها الأمانة، إذن فهي حماية لهم من متاهات المضاربين والتوصيات الوهمية والإنترنتية والجوّالية وراحة لأدمغتهم وفيها توفير لوقتهم، لذلك فهي منشار نافع وحري بالعقلاء التعامل معه.
الصناديق تستثمر مئات الملايين في سوق المال، وهذه الملايين ملك للمستثمرين الذين وثقوا بالمنشار وسلموه أموالهم لإدارتها بما يرضي الله، وافترضوا أنهم أعطوها القوي (حيث تتميز صناديق البنوك بالمعرفة والعلم) والأمانة (حيث يفترض المستثمر في البنوك الثقة والنزاهة).
عندما تعطي البنك أموالك لاستثمارها في صندوق الأسهم يبدأ الصندوق بعد التسمية والتكبير والتوجه إلى القبلة ويستقطع من ثروتك المستثمرة أتعاب استثمار قد تصل إلى 5 في المائة مكافأة لك على اختيارك الموفق لهذا الصندوق المتميز في البنك الأمين، بغض النظر عن قيام الصندوق بالاستثمار من عدمه!! يتبع ذلك قيام الصندوق بالشراء والبيع في سوق الأسهم فيحصل البنك على نسبة معينة مقابل كل عملية بيع وشراء حسب قيمة الصفقة وهذه النسبة تختلف من بنك لآخر، طبعاً البنك يحصل على هذه النسبة بغض النظر عن صحة قراراته الاستثمارية وهل كانت لصالح الصندوق أم لا، وبالتالي فإن مصلحة البنك تكمن في قيام الصندوق بأكبر صفقات ممكن لصناديقه!! في الوقت نفسه يقوم البنك بالإقراض لعميل محتاج ويطلب منه ضماناً لمبلغ التمويل غالباً ما يكون محفظة أسهم في صناديقه أو محفوظة لديه وله حق التصرف فيها، طبعاً عند انخفاض قيمة الأسهم نتيجة لهبوط السوق يقوم البنك بتسييل المحفظة وحفظ حقوقه التي قد (لاحظوا قد) تتأثر نتيجة لانخفاض السوق!! حتى لو كان التمويل شرعياً والبنك مشاركاً في المخاطر!! طبعاً التمويل ينمي عمل الصندوق الذي يزيد من حصة البنك نتيجة لرسوم الدخول ورسوم البيع والشراء. في نهاية المطاف تذهب للبنك لتصفية محفظتك الاستثمارية في الصندوق الموقر في يوم السبت لأنك تعتقد أن أفضل بيع لها هو هذا اليوم، فتفاجأ بالبنك بكل علمه وإمكاناته البشرية والتقنية يفيدك بأن التصفية ستكون بالسعر الذي ستقيم عليه وحدات الصندوق بعد ثلاثة أيام.. أما كم السعر فالعالم هو الله؟! والأعظم من ذلك أن قيمة الأسهم سترد إلى حسابك بعدها بأسبوع أو أكثر!! لا تنسوا أنكم عند الاشتراك في الصندوق تم خصم المبلغ من حسابك قبل خروجك من البنك!!
أخيرا، أطلق على صناديق البنوك الوصف الثاني البشع فهي بحق "طالعة واكلة نازلة واكلة"، هل هذا صحيح؟ كيف لا وهي تحسب مقابل كل توقيع الشيء الفلاني، تبدأ بالأكل عند الاستثمار ثم الأكل عند البيع والشراء والاستمرار في الأكل مع الإقراض، ولا تتوقف عن الأكل حتى عند التصفية.
لا أحبذ التهجم على البنوك، ليس لأن هلالاتي المعدودة محفوظة فيها، ولكن لإيماني بأنها عماد الاقتصاد الوطني، والمنافع التي تحققها لصالح المساهمين ليست لفرد أو لمجموعة صغيرة، ولكني أطالبها بالأكل الصحي حتى لا تصيبها التخمة، وحفاظاً عليها من العين ودعاء المتضررين.
اللوم الحقيقي لمؤسسة النقد التي احتكرت خدمات البنوك في 11 بنكاً، لا منافس لها، لومي الآخر أضعه أمام هيئة سوق المال التي ما زالت تحمي البنوك من المنافسة بعدم التصريح السريع لشركات الوساطة المالية، التي يجب أن تستقل استقلالاً كاملاً عن البنوك، وإذا أرادت البنوك تأسيس شركات وساطة مالية فيجب ألا تزيد حصتها على 10 في المائة، وإلا انطبق عليها المثل الشعبي "سعيد أخو مبارك".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي