جدة غـير بشبابها
الاهتمام بالإنسان بالرعاية والتوجيه والتعليم هدف ورؤية وعمل كل المجتمعات المتحضرة والمنطلق التنموي لأجندة القرن الحادي والعشرين, ومع أن هذا القرن لم يمض منه سوى سنوات عشر فقط إلا أن آثار هذا الاهتمام بدأ يظهر جلياً في سياسات بعض الدول, وبدأنا نسمع عن التسابق العالمي نحو الاستثمار في الطاقات الإنسانية, خصوصاً استثمار واستغلال الطاقات الشابة منها من الشباب والشابات بما يعود بالنفع على بلدانهم وأنفسهم ثم العالم أجمع بدل استغلالهم وقيادتهم نحو الحروب وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
هذا الاهتمام الإيجابي بالشباب من الجنسين تمثل بشكل يتجاوز الوصف في ملتقى شباب الأعمال الثالث المقام في مركز جدة الدولي للمعارض والمؤتمرات, وجاء الإعجاب والإبهار لسببين رئيسين هما قدرة الشباب والشابات على تقديم أنفسهم من خلال مشاريع يتم تنفيذها على أرض الواقع وليس مجرد أفكار تبحث من يرعاها, وثانيهما ما صاحب المعرض المقام من حوار مع المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال, هذا الحوار الذي أصبح نوعا من المحاكمة لدور القطاعات المختلفة في رعاية الشباب والاهتمام بمستقبلهم ودورهم في ذلك بما يضمن لشباب اليوم, رجال ونساء الغد, الفرصة لتحمل المسؤولية وتحقيق أهداف وطموحات القيادة السعودية من جعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة ونموذجا يمكن تقديمه للعالم أجمع.
لقد أثبت أبناء منطقة مكة المكرمة بشكل عام وأبناء محافظة جدة بشكل خاص في هذا الملتقى أنهم غير, وأنهم يملكون كل مقومات النجاح والرقي الإنساني التنموي الاقتصادي الخلاق. وبمجرد الجولة في المعرض المصاحب للملتقى يجد الإنسان نفسه يطير من الفرح وهو يرى وضوح الرؤية وقوة الإرادة والرغبة الصادقة في النجاح والتحدي والإبداع, وأن الفرصة عندما تعطى للشباب فإنهم يحققون الطموحات, وليس كما يعتقد البعض أن الشباب السعودي من الجنسين أصبح فوضويا وسطحيا وغير طموح, ولمن يعتقد غير ذلك فعليه زيارة المعرض والاستماع إلى أفكار الشباب ومقترحاتهم ورؤيتهم وأعمالهم الخلاقة والمبدعة.
وإذا كان عرض الشباب أعمالهم وإنجاز تجاربهم ونجاحاتهم, فإن حوارهم مع ضيوف الملتقى وطرح الأسئلة والمقترحات والتصورات لدور الشباب كان غير, لأنهم شباب يملكون الرؤية ويعرفون ماذا يريدون وكيف يحققون ما يريدون، وكل ما يحتاجون إليه أن تفتح لهم المجالس ويعطى لهم الدور الإيجابي في صنع المستقبل التنموي للمملكة خلال الأعوام المقبلة, وهو حق مشروع لشباب ناضج وقادر على تحمل المسؤولية.
لقد طاف بي الخيال أحيانا وأنا أستمع لهؤلاء الشباب وهم يعرضون ويستعرضون تجاربهم وهمومهم وطموحاتهم وآمالهم والمساحة المعطاة لهم للإبداع ورغبتهم الصادقة في تحقيق النجاح وتفعيل الخطط الوطنية والإقليمية والمحلية التي تحقق الاستقرار الاقتصادي والأمني والإنساني لإنسان المملكة ومن يعمل ويعيش فيها, وأتساءل بيني وبين نفسي: كيف يمكن أن نحقق لهؤلاء الشباب الطموح الناضج الفرصة لإبراز دورهم بشكل منظم وألا نجعلهم عرضة للتجارب الفاشلة أو العقول الفاسدة أو أعداء الوطن ممن يستغلون طاقات الشباب وطموحهم وتوجيههم لتحقيق أغراضهم الفاسدة من إرهاب وتهريب للمخدرات وتسويقها وعبث بمقدرات الوطن وخيراته؟
الشباب هم الأقدر على مساعدة الشباب على معرفة ما يريدون وكيف يحققون ما يريدون, ولهذا فإن استغلال معرفتهم بما يحتاجون وتوظيفها بما يخدم أهداف التنمية وطموحات القيادة يتطلب منا دراسة أفضل السبل لإشراكهم في مختلف برامجنا وخططنا ومشاريعنا بشكل مباشر وفاعل من أجل مستقبل أفضل. ولعل الوقت أصبح مناسبا لضخ دماء شابة في برنامجنا التنموي, وأن نعطي الفرصة لـ 70 في المائة للمشاركة القوية والفاعلة بدل السيطرة المطلقة لـ 30 في المائة, وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل
«الأحباب كالأشجار إن تباعدت الأوراق تلاقت الجذور في الأعماق، اللهم قرب قلوبنا واجمعها على هداك وأدم وصالنا إلى أن نلقاك».