العراق .. لا ضوء في آخر النفق

واقع حال العراق اليوم، أمنيا وسياسيا تحديدا، يقود لنتيجة واحدة وهي أن غزوه واحتلاله باسم ''تحريره'' من الدكتاتورية، لم يؤد به لـ ''جنة'' الديمقراطية والحرية الوارفة الظلال التي وُعد بها، بل أوقعه فيما هو أشد كارثية ووبالا من الدكتاتورية التي ادعوا تحريره منها، ويا ليتهم لم يفعلوا، لأن البديل كان فقدان الأمن والأمان وانهيار الاستقرار، فالعراق ومنذ غزوه واحتلاله دخل في نفق مظلم من الفوضوية السياسية والأمنية واستشراء التقسيم الطائفي والعرقي على حساب وحدة التراب الوطني ولحمة الشعب العراقي بكل فئاته وأعراقه ومذاهبه، ويشهد على ذلك واقع العراق بعد مرور سبع سنوات على إسقاط نظام صدام حسين، حيث ما زال يعيش في شلل سياسي واختراق أمني جعله ساحة مفتوحة للعنف، وهذه بالقطع ليست هي الديمقراطية ولا الحرية التي كان ينشدها الشعب العراقي.
ما أوصل العراق إلى هذه الحالة المأساوية بالأساس هو أن الكيانات السياسية الجديدة التي جاءت مع الغزو وتلك التي نشأت في ظل الاحتلال، ولم يكن لديها مشروع وطني، بل حملت مشاريع طائفية وعرقية، ولذا لم يكن مستغربا أن تفشل فشلا ذريعا في ممارسة عملية سياسية ديمقراطية سليمة، فعلى الرغم من أن الاحتلال تخلى عن حكم العراق المباشر، وسلمه ظاهريا لهذه الكيانات السياسية، إلا أن العراق لم يخرج من أزماته السياسية ولا الأمنية، وكان ذلك طبيعيا في ظل تحويل هذه الكيانات العملية السياسية من تنافس ديمقراطي إلى صراع حاد ومرير على السلطة، وهذا هو الحادث الآن وبعد مرور قرابة الثمانية أشهر على الانتخابات الأخيرة، وهو ما أكد أن هذه الكيانات السياسية لا تمارس العملية السياسية بروح ديمقراطية، بل بدوافع طائفية وعرقية، وكشفت ذلك جليا أزمة تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التي أفرزت قوى سياسية رئيسة مؤهلة لإرساء تعددية سياسية ديمقراطية، إلا أنه بدلا من استكمال العملية السياسية بناء على نتائج الانتخابات بتشكيل حكومة جديدة، نشأ صراع ونزاع على تشكيلها، فقائمة ''دولة القانون'' الفائزة بالمرتبة الثانية، كان أبرز من وضع العراقيل تلو العراقيل أمام تشكيل حكومة وفق القواعد الديمقراطية المعمول بها في كل دول العالم الديمقراطي، مشترطة تكليف رئيسها المالكي بتشكيل الحكومة الجديدة قفزا على نتائج الانتخابات، وهو ما لقي رفضا حتى من حلفائه عطفا على أدائه السلبي وأقله تفرده بالسلطة، وعلى سجله على مدى الأربع سنوات الماضية، الذي كشفته وثائق ''ويكيليكس'' أخيرا.
الطريق المسدود الذي وصل إليه الوضع العراقي سياسيا وأمنيا، هو ما دفع أطرافا إقليمية للسعي إلى تقديم المساعدة بعد أن اتضح ألا مخرج للعراق من أزماته في ظل هذا التصارع الطائفي والعرقي، وليس التدخل في الشأن العراقي كما تفعل قوى خارجية تمارس تدخلها عبر وكلاء لها من داخل التركيبة السياسية في العراق، ومن هذه الأطراف التي سعت إلى المساعدة لإنقاذ العراق مما هو عليه اليوم المملكة بدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لكافة مكونات العراق السياسية الممثلة في البرلمان الجديد للالتقاء في الرياض بعد الحج للتفاهم فيما بينها من دون أي شروط، بل جعل الدعوة مفتوحة للجميع دون استثناء، إلا أن أطرافا ليس من مصلحتها حل الأزمة، رفضت الدعوة لأنها وبكل وضوح مرتبطة بأجندة إقليمية وباستراتيجية الاحتلال والقائمتين على دفع العراق لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لمصالحها ليس في العراق بل في بقية دول المنطقة العربية على وجه الخصوص.
ما هو المخرج لإخراج العراق من نفق الغزو والاحتلال والتدخل الخارجي..؟، أعتقد ألا مخرج إلا من خلال تشكل قوى سياسية جديدة نابعة من الشعب العراقي ومعبرة عن مصالحه، وتقوم على مبادئ وطنية صرفة، وليست طائفية ولا عرقية، فالمكونات السياسية القائمة حاليا أثبتت فشلها الذريع، وانكشفت أوراقها الطائفية والعرقية وارتباطها بالخارج.. دون ذلك فلا ضوء في آخر النفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي