الصيرفة الإسلامية وتحدي الاستمرارية والاستدامة
أؤيد ما تضمنه خطاب محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد المعراج بدعوته للمؤسسات المالية الإسلامية بضرورة اكتشاف نفسها من جديد في ضوء التطورات الاقتصادية العالمية. وجاء خطاب المعراج في سياق فعاليات المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية الـ 17 والذي أنهي أعماله في البحرين الأسبوع الماضي.
تشمل التطورات الاقتصادية العالمية استمرار التكيف مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، وهي الأزمة التي انطلقت في الولايات المتحدة بسبب معضلة الرهن العقاري، وتم كشف النقاب عنها في عام 2008. من جملة الأمور السلبية، تسببت الأزمة في إيجاد حالة من الفوضى في الاقتصاد العالمي على خلفية معضلة الثقة التي أوجدتها.
نماذج الأعمال
كما أتفق مع ما ذهب إليه المحافظ بأهمية قيام المؤسسات المالية الإسلامية بإعادة تقييم نماذج أعمالها وتطبيق الاستراتيجيات التي تضمن لها البقاء في عالم ما بعد الأزمة المالية الإسلامية. وقد تميزت المؤسسات المالية الإسلامية في الفترة ما بين 2000 حتى 2007 بالدخول في مشاريع استثمارية في مختلف نقاط العالم، الأمر الذي يفسر قدرة بعضها على مضاعفة أصولها في فترات قصيرة نسبيا. كما تمكنت العديد من هذه المؤسسات من تحقيق عوائد غير عادية على الاستثمار بلغت حد 40 في المائة سنويا.
والحق يقال، تميزت بعض المؤسسات المالية بالإبداع في أنشطتها من قبيل تأسيس مرفأ البحرين المالي كمركز مالي جديد وسط المنامة. كما أبدت العديد من المؤسسات استعدادها لتدشين مشاريع عقارية في مختلف المدن العالمية؛ تماشيا مع مبدأ إعمار الأرض.
بيد أنه اكتشفت العديد من المؤسسات المالية خطورة بعض الاستثمارات، خصوصا تلك المرتبطة بأسواق العقار التي منيت بنكسات ثقيلة مسببة معها خسائر مالية للمؤسسات المالية والجهات المرتبطة معها مثل حملة الأسهم.
في المحصلة، أرى صواب كلام المحافظ البحريني بضرورة تركيز المؤسسات المالية الإسلامية على متغيري الاستمرارية والاستدامة في أنشطتها بدل تحقيق الربح السريع.
نمو الموجودات
وفي كل الأحوال، تبين من خلال الإحصاءات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر عودة الروح للمصرفية الإسلامية بدليل ارتفاع قيمة الأصول التابعة للمؤسسات المالية الإسلامية من 822 مليار دولار في 2009 إلى 895 مليار دولار في 2010؛ ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 8.5 في المائة. وربما فاق معدل النمو السنوي المركب للمؤسسات المالية عن 23 في المائة في الفترة ما بين 2006 حتى 2010.
وعلى الرغم من هذا النمو، يظل الرقم الجديد محدودا، حيث يشكل قرابة 2 في المائة من قيمة الموجودات الكلية للمصارف على مستوى العالم. بل تقل قيمة الأصول المجتمعة للمؤسسات المالية الإسلامية عن حجم أصول حجم موجودات بنك بي إن بي باريبا الفرنسي، الذي يبلغ 3.2 تريليون دولار، حيث يعد أكبر بنك في العالم في الوقت الحاضر بالنسبة لمعيار الموجودات. كما أن قيمة أصول رويال بنك أوف سكوتلند وباركليز تقترب من حاجز ثلاثة تريليونات دولار.
يزيد عدد المؤسسات العاملة في مجال الخدمات المالية الإسلامية على 300 مؤسسة تقدم خدماتها في 75 بلدا في العالم. وتشمل أدلة التقدير العالمي للصيرفة الإسلامية قيام مؤسسات مالية دولية مثل سيتي بنك بتأسيس وحدات خاصة للخدمات المالية الإسلامية؛ رغبة منها في الاستفادة من الفرص المتاحة في هذه الصناعة النامية. كما دخلت بريطانيا على خط الصيرفة الإسلامية عبر تأسيس البنك الإسلامي البريطاني في عام 2004. وتبين بأن أول زبون للبنك الإسلامي البريطاني لم يكن مسلما.
الأدوات والإمكانات
تقدم المؤسسات المالية الإسلامية منتجات مصرفية إسلامية من قبيل المرابحة والمضاربة والمشاركة والإيجار والسلام والصكوك. وتبين من خلال المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية وجود 680 صندوقا استثماريا إسلاميا تدير فيما بينها 70 مليار دولار. وليس من قبيل المصادفة، تقع 45 في المائة من هذه الصناديق في دول مجلس التعاون الخليجي. باستثناء ماليزيا، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي مركزا حيويا للمالية الإسلامية؛ نظرا لرواج مبدأ الصيرفة الإسلامية، فضلا عن توافر السيولة.
لكن هناك نقضا في الأدوات، الأمر الذي يسبب فراغا يؤدي في نهاية المطاف إلى خروج جزء من الأموال إلى بعض الأسواق الأخرى. وربما يفسر جانبا من خروج مليارات الدولارات من المؤسسات المالية الإسلامية إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى. وقد تعرضت بعض هذه الاستثمارات لخسائر في أعقاب ظهور معضلة الرهن العقاري؛ مسببة معها متاعب متشعبة للمصارف الإسلامية.
أخيرا وليس آخرا، ينتاب قطاع الخدمات المالية الإسلامية بشكل عام تحديات موضوعية من قبيل توافر الثروة البشرية المؤهلة. كما هناك تحدي توحيد القوانين والأطر التي تحكم المؤسسات المالية الإسلامية. إضافة إلى ذلك، هناك مسألة ضمان توافر علماء الشريعة الإسلامية لمجالس الإدارات المختصين في فقه المعاملات؛ للتأكد من تماشي المنتجات المصرفية مع مبادئ الشريعة السمحة.
باختصار، لا مناص أمام المؤسسات المالية الإسلامية سوى التكيف مع التحديات في عالم سريع التغيير حتى تحقق الاستمرارية والاستدامة.