ميزانية بهذه النتائج والتوقعات تستلزم الشكر والحمد

عندما أعلنت نتائج العام الماضي بعجز قدره ٤٠ مليار ريال حمدنا الله كثيراً على ما تحقق، واليوم نجد أمام ناظرينا مفاجأة سارّة لم نحلم بها في الواقع، حيث قدرت الميزانية العجز المتوقع بمبلغ ٧٠ مليار ريال وإذ بالنتائج تغلق أو تكاد على فائض قدره ١٠٨ مليارات، هذا بالرغم من أن المصروفات زادت على التقديرات بمبلغ ٨٦ مليارا، بمعنى أن الفائض الحقيقي فيما لو تم الالتزام بميزانية النفقات لكان ١٩٤ مليار ريال.
عام ٢٠١٠ يعد سنة كبيسة في جميع أنحاء العالم، إلا في أرض الحرمين، فالإنجازات تتوالى والنعم من الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ تترى، وتحضرني كلمة خادم الحرمين الشريفين ـــ عافاه الله ـــ عندما دعا بطول العمر ثلاثاً للأسود الثقيل ''أعني به البترول''، وهذا مما يعزز الإنفاق على تطوير كل ما من شأنه زيادة قوتنا البترولية بحثاً وإنتاجا وتصنيعاً وتقنيةً.
وإعلان الميزانية لعام ٢٠١١ بالنفقات المعلنة وهي ٥٨٠ مليار ريال يعبر بالتأكيد عن استمرار اهتمام القيادة برفاهية المجتمع السعودي، حيث ستنعكس هذه النفقات على تطوير البنية الأساسية التي أحجمنا عن تطويرها لأكثر من عقدين، إضافة إلى الأرقام الهائلة الموجهة إلى الاهتمام بالعنصر البشري، خاصة في مجالي التعليم والصحة واللذين استحوذا على نسبة ٣٨ في المائة من كعكة الميزانية.
ولا يغيب عن فطنة القارئ أن العجز المتوقع لعام ٢٠١١ البالغ ٤٠ مليار ريال، تم احتسابه على أسس متحفظة لإيرادات الدولة النفطية التي ستتأثر بحجم الطلب وأسعار البيع، والمتوقع أن تزيد على المتوقع كما حدث في العام الجاري، ولن تتأثر الدولة به بشكل كبير فيما لو تحقق، حيث ستتم تغطيته من الاحتياطيات الضخمة لدى مؤسسة النقد، وهو لا يزيد على ٣ في المائة من تلك الاحتياطيات.
وعندما أتأمل المصروفات الفعلية للعام الحالي والزيادة الحاصلة في المصروفات على المقدر بمبلغ ٨٦ مليار ريال؛ كم أود أن تشاركنا وزارة المالية بمقارنة تفصيلية حول مصاريف الميزانية ومبررات الزيادة في الصرف، وهل هي ناتجة عن مشاريع أكثر وأكبر مما قدر له أم أنها ناتجة عن تكاليف أعلى وتضخم متزايد، أم لأي أسباب أخرى. وهذا يقودني إلى تساؤل آخر حول زيادة الإنفاق المقدر لعام ٢٠١١ وهل هذا سيتمثل في مشاريع أكبر أم في عقود أغلى وتكاليف أعلى؟
الذي نؤمله أن تكون السرعة والاستجابة في الصرف منهجاً لوزارة المالية، حيث إن الإنفاق الحكومي هو الشريان الرئيسي للاقتصاد السعودي، ولذلك فأي تأخير أو بطء في الصرف سيسبب حالات إرباك في الأوضاع الاقتصادية العامة.
كما آمل أن يكون للمواطنين وللشركات السعودية النصيب الأكبر من مشاريع الدولة، حيث نضمن بقاء هذه الأموال ودورانها داخل المنظومة الاقتصادية المحلية، وبالتالي ستكون القيمة المضافة لها مضاعفة.
ونحن نطالع هذه الموازنة القياسية يجب ألا يغيب عن أنظارنا تحفيز القطاعات الإنتاجية غير النفطية لزيادة مساهمتها في الناتج الحكومي والتي ما زالت دون المأمول مع عدم وجود خطط استراتيجية وآليات تنفيذية لتعزيز هذه القطاعات.
مجموعة من التحديات سنواجهها خلال العام المقبل، من أهمها السعودة والبطالة وتأمين الوظائف للخريجين القادمين إلى سوق العمل، يضاف إلى ذلك معضلة التمويل الذي ما زال تفاعل البنوك فيه معوقاً للتنمية خاصة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أن تحدي الإسكان والرهن العقاري لا يزال ينتظر من يفك شفرته، ثم سوق المال وما أدراك ما سوق المال مالئ الدنيا وشاغل الناس، ولا يفوتنا أن نذكر التطوير المرتقب لقطاع القضاء وآليات التنفيذ.
أختم هذه التحديات بالهم الحاضر في كل المناسبات وهو التعليم إذ لا يزال التعارض الشديد بين ما يصرف على التعليم وبين نوعية المخرجات لغزاً محيراً لغير العارفين.
كما يجب ألا تأخذنا العاطفة خلف الإسهاب في الصرف للحاضر وإهمال المستقبل، وعدم الاهتمام بجدية بالتوفير للأجيال المقبلة من مدخرات القرش الأبيض لينتفع به غيرنا في اليوم الأسود ـــ أبعده الله عنّا وعنكم، كما أن نشوة الأرقام يجب ألا تخرجنا من هموم وشكوى المواطن.
المواطن البسيط الذي لا يزال يبحث عن لقمة العيش الشريفة وعن سكن ملائم وعن تعليم محترم وعن علاج ممكن، هذا المواطن لا تهمه الأرقام في شيء ولا يعنيه الفائض ولا تعتريه النشوة عند زيادة الإنفاق، لا يهتم المواطن بشيء من ذلك إذا لم ينعكس ليس على رفاهيته التي لم يطلبها وإنما على تحقيق حاجياته الأساسية التي يستحقها بحكم كونه مواطناً سعودياً.
أخيراً .. ''بالشكر تدوم النعم''، أسأل الله أن يعيننا على شكر هذه النعمة التي حبانا بها في هذا الوطن، وعلى هذا التراب، وتحت قيادة من تشرف بلقب خادم للحرمين الشريفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي