كشف حساب للمؤسسات الحكومية
هل هناك محاسبة حقيقية وفاعلة في القطاعات الحكومية المختلفة؟
الإجابة المباشرة عن هذا السؤال هي: نعم؛ فالإجراءات المالية مشددة والتعيينات محددة, والنماذج المستخدمة كثيرة متعددة, والتوقيعات والتدقيقات لا تعد ولا تحصى, لكن هذا كله لا يمثل إلا نصف الحقيقية لأن المحاسبة والمراجعة الحكومية تتمثل في التأكد من أن الصرف لم يتجاوز المبالغ المرصودة في الميزانية، كما أنه تم بناء على الإجراءات الحكومية .. هكذا فقط!
في كل شركة ومؤسسة ومشروع يتم إعداد خطة عمل سنوية تحدد فيها الأهداف والغايات المطلوب الوصول إليها خلال الفترة, كما يتم إعداد كشف حساب وبيان ختامي في نهاية كل فترة, وتتكرر هذه العملية في بعض المـؤسسات شهرياً وبعضها بشكل سنوي وفي البعض الآخر في نهاية المشروع, وتختلف التسمية من مكان إلى آخر, فحيناً يسمـى حساب الأرباح والخسائر ومرة يسمـى قائمة الدخل وثالثة يسمى فيها حساب الفائض والعجز, ولا مشاحة في الاصطلاح فهو في كل الأحوال كشف حساب.
الهدف من كشف الحساب هو التحقق من نتيجة الأعمال في نهاية السنة, فهل كانت النتيجة إيجابية أم سلبية, وقد تكون النتيجة إيجابية بشكلها البسيط, لكنها سلبية عند مقارنتها بالمؤسسات الشبيهة بها, وقد تكون إيجابية حتى مقارنة بالمؤسسات المماثلة, لكنها منحرفة عن النتائج المرسومة سواء من حيث الأداء أو التوقيت.
لا شك أن القطاع الخاص لديه عديد من الآليات لرسم خطط العمل والتوقعات, وبالتالي فهو يقارن بشكل متواصل وحريص بين نتائج أعماله والمؤسسات المشابهة, ويقارن بين خطط العمل مع العمل المنجز, كما أن لديه آليات التحفيز الإيجابي والسلبي (الجزرة والعصا), ويملك أدوات المحاسبة والعقاب, أما إن لم يكن يفعل شيئا من ذلك (وهو أمر متوقع من البعض ولا ينطبق على الكل), فالعاقبة في الختام ستعود على ملاك هذه المؤسسة سواء كان ذلك لمصلحتهم أم عقاباً لهم.
مسؤولو القطاع الحكومي على مختلف مستوياتهم لا أشك في إخلاصهم لوطنهم وإن كان بدرجات مختلفة, لكن الإخلاص وحده لا يكفي, فهو يحتاج إلى خلطة إضافية من العمل والتنظيم والتخطيط والرجال (أو النساء)، ومع ذلك, ففي نظري إن ذلك لا يكفي!
المطلوب أن يقدم كل مسؤول ابتداءً من الوزراء خطط عمل واضحة, وتحديد الإنجازات التي سيقومون بتحقيقها في دوائرهم بالأرقام, مثلاً: تخفيض رقم البطالة من نسبة في المئة إلى نسبة في المئة, أو زيادة عدد الأسرة في المستشفيات بعدد كذا سرير, أو زيادة الطاقة الكهربائية بكذا واط, أو تخريج كذا ألف طالب بمعدلات تزيد على ممتاز في التخصصات الصحية, وهذه الأرقام العامة كذلك لا تفي بالغرض، لذلك يجب التفصيل, وبالتالي تحدد هذه الأرقام في كل منطقة وكل مدينة, ويجب ألا نكتفي بالتحديد، بل يجب الإسهاب في التفاصيل والمواصفات .. إلخ.
المسؤولون الكبار والوزراء, الذين يعينون لمدة أربع سنوات, يعملون من اليوم الأول وعيونهم وعقولهم تفكر في اليوم الأخير الذي غالباً ما يأتي بعد أربع سنوات, هل سيتم التجديد لأربع أخرى أم أن مصيره الإعفاء من المنصب! فأصبح الوزير والمسؤول يعمل بكل طاقاته وجهوده ووقته ليحصل على جائزة اليوم الأخير, التي قد تكون تجديداً في المنصب نفسه أو منحة أكبر لمنصب أعلى وأرفع, وبالتالي ثقة ملكية أسمى.
لماذا لا يتم إبلاغ الوزراء والمسؤولين بتعيينهم في مناصبهم الجديدة قبل ستة أشهر من تاريخ التعيين, بحيث يقوم كل وزير ومسؤول خلال هذه الفترة بدراسة أوضاع منصبه الجديد وإعداد خطة عمل محددة وواضحة محكومة ببرنامج زمني, ويبين في الخطة الأهداف والنتائج التي سيتم الوصول إليها والموارد التي تحتاج إليها الخطة, ويتم تقسيم الخطة إلى خطط سنوية محددة النتائج والتوقعات, بالطبع تتم مناقشة هذه الخطط مع المسؤول حتى يتم الوصول إلى الصيغة المناسبة التي تجمع بين الطموح والواقعية والكفاءة والفاعلية.
بالتالي تتم محاسبة المسؤول عن الخطط المقدمة والنتائج المنفذة على أرض الواقع سنوياً, ثم يتم تقييم المسؤول أيضا قبل نهاية السنوات الأربع بستة أشهر بمراجعة مدى تحقق الإنجازات المتفق عليها معه, التي قدمها في خطته الشاملة قبل مباشرته أعماله.
الجميع ينتظر التغيير المتوقع في شهر ربيع الأول من هذا العام, لذلك فمثل المنهجية المقترحة في هذا المقال أو أي منهجية تحقق الهدف نفسه وتعتمد على وجود أهداف وخطط ومحاسبة المسؤولين عنها ستكون مرتكزا أساسياً للتمديد للمسؤول أو الإعفاء أو الترشيح لمنصب جديد, وبالتالي سيكون القرار؛ أي قرار يتخذ مبنياً على نتائج محسوبة أو إخفاقات واضحة أو إنجازات باهرة، وفي جميع الأحوال يعتمد على صحة ودقة وصدق وإنجازات كشف الحساب .. أعاذنا الله وإياكم من أهوال يوم الحساب.