صناديق الإسكان التعاونية.. ضرورة اقتصادية للمملكة

مشكلة الإسكان ما زالت مستمرة في التصاعد في أهميتها وخطورتها على مستويي الفرد والمجتمع السعودي منذ عدة سنوات، وبالرغم من الرغبة الكبيرة من الدولة والأفراد في وضع مختلف الوسائل والحلول، إلا أنه لا تبدو تكورات هيكلية في قطاع الإسكان، ولا تزال نسبة كبيرة من السكان قد تصل إلى 80 في المائة لا يملكون مساكنهم .. لا يظهر أن ما تقوم به هيئة الإسكان أو مشاريع الإسكان وبرامجه التي تطرحها الهيئة أو المؤسسات العامة كمؤسسة التقاعد أو الجمعيات الخيرية أو برامج البنوك للقروض السكنية أو الجهود التمويلية الخاصة لشرائح من الأفراد للبناء الذاتي أو بالتقسيط مع بعض الشركات العقارية؛ لا يظهر من كل هذه الأنواع من الجهود مجتمعة أنها أفلحت في تضييق الفجوة الإسكانية المتفاقمة. ويغذي هذه الفجوة استمرار ظاهرة البطالة وانخفاض متوسط الدخل النسبي وانحسار الطبقة المتوسطة وعدم استقرارها.
والمشكلة الرئيسية في قضايا الإسكان ليست في نقص السيولة على المستوى الوطني، وإنما تكمن في كيفية ترتيب أدوات السيولة التي توصلها إلى الأفراد بما يتناسب ومختلف طبقاتهم الدخلية والاجتماعية .. فهناك سيولة ضخمة تتوافر لدى البنوك وبتكاليف استثمارية متدنية، إلى جانب ما تملكه مؤسسات الدولة العامة من أرصدة استثمارية وادخارية طائلة، وما تملكه الدولة من صناديق سيادية تتمثل في الاحتياطيات من المستثمرين في الخارج إلى غير ذلك .. إذا المشكلة باختصار ليست نقص السيولة في القطاعات الحكومية أو العامة أو الخاصة، وإنما في توافر التقنيات والأدوات والوسائل والأوعية الادخارية والاستثمارية التي يمكن أن تنقل هذه الأموال إلى الوحدات الاقتصادية التي تعاني العجز السكني من معظم أفراد الشعب.
ومع أهمية التطوير الكمي والنوعي للأدوار التي يقوم بها كل من القطاع الحكومي والخيري في سد فجوة الإسكان، إلا أن هناك قطاعا مهما لم يتم بعد تفعيل وإطلاق أنشطته وفتح أبوابه؛ ألا وهو قطاع الإسكان التعاوني من خلال جمعيات الإسكان التعاونية وعبر صناديق الإسكان التعاونية ـ الفعاليات الاقتصادية من خلال المؤسسات والجمعيات والمنشآت والصناديق التعاونية. الذي يتوافر في الاقتصاد السعودي حالياً للتمويل العقاري يتمثل في القطاع الحكومي كالدور المعروف لصندوق التنمية العقاري، والقطاع الخاص الذي يمكن الفئة المقتدرة دخلياً أو عبر إمكاناتها الائتمانية البنكية، والقطاع الخيري الذي يضم عددا من جمعيات الإسكان الخيرية. أما القطاع الذي لم يتم تفعيل دوره ولم تظهر مؤسساته بشكل بارز فهو القطاع التعاوني الذي يضم جمعيات وصناديق الإسكان التعاونية. والقطاع التعاوني الذي يشمل المنشآت غير الربحية (NPO) Non Profit Organizations، وكذلك صناديق الاستثمار التعاونية (MIF) Mutual Investment funds، وتطبق جمعيات الإسكان التعاونية وغيرها من الجمعيات التعاونية في عديد من الدول، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من ألفي جمعية للإسكان التعاوني في دولة مصر ويستفيد منها أكثر من مليوني شخص.
فالاقتصاد لا يمكن أن يتكامل ازدهاره ونموه وتكامله في ظل وجود القطاع الحكومي والقطاع الخاص فقط دون تفعيل وإطلاق أدوار متناسبة في القطاعين الخيري والتعاوني، فجمعيات وصناديق الإسكان التعاونية لم توجد بعد في المملكة إلا بشكل محدود واستثنائي، وكانت أولى هذه الجمعيات جمعية للإسكان التعاوني ظهرت في بريدة عام 2007م وأطلقت تجارب محدودة في مدن أخرى. وتتميز هذه الجمعيات والصناديق بأنها تعمل على توفير الموارد الذاتية للأفراد عبر تطوير وحشد وتضامن السلوك والإمكانات والخطط الادخارية طويلة الأجل لتمويل بناء وشراء المساكن الخاصة. فيمكن أن تعمل هذه الجمعيات على تطوير وعي الأفراد في تخطيط مساكنهم من ناحية الحجم والنوع حسب إمكاناتهم الدخلية ومتطلباتهم الاجتماعية، وهذا هو الأساس التعاوني اللازم للنجاح؛ أي هو اقتصاد مما تركز عليه الشريعة الإسلامية، بل إنه يمثل أهم مبادئها، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي