أقنعة الإعلام

لا أعرف مدى أهمية وقيمة الإعلام عندما يفقد الهدف الأسمى له، ويتحول إلى أداة في يد العابثين ووسيلة لتصفية الحسابات فيما بين القوى، أو حتى أداة لخلق مكانة ما لشخص ما في الساحة الدولية.
أعرف كإعلامي أن شرف المهنة يحتم علينا كإعلاميين أن نكون على قدر المسؤولية وفي ساحة الحياد على أن ننقل الصورة كما هي في الواقع دون تضخيم الأمور أو ننحاز لطرف على آخر، وأعرف أيضاً أن العمل بعكس ذلك يمس بالقيم الراسخة في عقول البشر عامة قبل الإعلاميين.
لقد ساءني ما شهدته الساحة الإعلامية في الوطن العربي إبان أحداث تونس وبانت عورتها أكثر في التوترات التي شهدتها مصر، حيث لعبت بعض وسائل الإعلام دوراً للأسف أنه يتسم بالإخلال بشرف المهنة ولا يرقى إلى مصاف التصرف الطبيعي الناتج عن التغطية الواقعية المفترضة. إن المتابع لما نقلته المكائن الإعلامية وبالأخص المرئية منها يفوق الوصف لدرجة أن وسيلة إعلامية يفترض أنها تتبع سياسة الحياد تقوم بنشر طرق تجاوز الأنظمة المصرية والاتصال بالجهات الخارجية والمواقع الإلكترونية وكأنها طرف في النزاع. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة جوجل عن تخصيص رقم يمكن من خلاله الاتصال بموقع تويتر الشهير دون المرور على مقص الرقيب المصري، وقامت الوسائل الإعلامية بنشر هذا الخبر وهو أمر طبيعي، ولكن من غير الطبيعي أن تقوم القناة أيضاً بنشر أرقام الهواتف مما يظهرها كدعوة مباشرة للمشاهدين وحثهم على المشاركة والاتصال من طرف يفترض به أن يقف في المنتصف، كما قامت القناة والتي مع الأسف تعد في مصاف وسائل الإعلام العربية ولها باع طويل وشعبية جارفة، بفتح المجال لتسويق طرف على آخر، ضاربة عرض الحائط بقيم الإعلام وأعرافه، وصلت للسماح للبعض بالمساس من شخص الرئيس المصري ووصفه بعبارات يربأ الإنسان السوي أن يسمعها في محيط مغلق، فضلاً عن وسيلة إعلامية يشاهدها الملايين ووسيلة يفترض بها احترام عقولهم.
كان يجب على بعض وسائل الإعلام تغطية الحدث بحياد تام وبالأخص أن الخطب جلل وله تبعات خطيرة على المنطقة بأسرها وفتح المجال للأطراف المعنية وبالذات المصريون ليعبروا عن رأيهم دون انتقائية في الشخوص الإعلامية والمحللين أو حتى في الأخبار وعناوينها والأحداث والتعليقات المحيطة.
لقد كان واضحاً توتر وتشنج مذيعي القناة المعنية وبعض قنوات الصف الثاني التابعة وغلبت عليهم عواطفهم وأمنياتهم (وتوجهات من خلفهم) على حساب معايير المهنة والمصلحة العامة. لقد تقاطعت هناك مصالح دول مع أحزاب وجهات تدير القناة، متناسين أن الأيام دول وأنهم ليسوا بمنأى عن أي أمر.
ستنتهي أحداث مصر بحلوها ومرها وتبعاتها على العالم العربي، ولكن لن ينسى التاريخ الإعلامي أنه جرح في شرفه يوما ما بيد شخص ما يدعي العدل في المعلومة وطرح جميع الآراء دون تمييز، وهو في الواقع يفرض رغباته ويحقق أهدافاً مشبوهة لجهات خارجية مشبوهة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي